أخبار عاجلة

ريم أبو عيد: الانتقادات للعمل الدرامي على الفيسبوك غير منطقية وغير مبررة

أرجأت مشاهدة جميع مسلسلات رمضان لما بعد انتهائه تفرغا للعبادة فيه، ولكنني تابعت من آن لآخر الجدل المثار على السوشيال ميديا حول مسلسل (الحشاشين) تحديدا، فكان هذا المسلسل هو أول ما بدأت في مشاهدته على منصة (واتش ات) بعد صلاة العشاء في آخر يوم من رمضان. وبدون أي مجاملة أو مبالغة وجدتني أمام عمل درامي أكثر من مدهش من حيث جميع عناصره الفنية بل كاملا إلى حد الإبهار، كتابة وتصويرا وإخراجا وأداء رائعا من كل الفنانين المشاركين فيه سواء كانوا معروفين أو غير معروفين. من قاموا بمشهد واحد أو مشهدين تأثيرهم في المسلسل لا يقل أهمية وبراعة عن أي فنان كان متواجدا طيلة الحلقات الثلاثين.
وبعد انتهائي من مشاهدة جميع الحلقات في يومين ونصف، اندهشت جدا من الانتقادات التي وجهت للمسلسل من البعض على صفحات (فيسبوك)، ووجدتها غير منطقية وغير مبررة أيضا ولم أستطع تفسيرها سوى بالمثل الذي يقول (مالقوش في الورد عيب قالوا يا احمر الخدين).
من ضمن تلك الانتقادات، أن ما ورد في المسلسل من معلومات تاريخية غير صحيح أو محرف بصورة ما، والحقيقة أتعجت من هكذا انتقاد، فأي مشاهد لأي عمل درامي من الطبيعي والبديهي أنه يدرك تماما أنه يشاهد عملا فنيا دراميا وليس فيلما وثائقيا، وبالتأكيد يدرك أيضا الفرق بين هذا وذاك.
فالعمل الدرامي حتى وإن كان يجسد شخصية تاريخية فلكاتب السيناريو كامل الحق أن يزيد أم ينقص في الأحداث والشخصيات وليس ملزما على الإطلاق أن ينقل نقلا حرفيا من كتب التاريخ وإلا انتفى عن العمل صفة العمل الفني الدرامي. كما أن التاريخ نفسه المدون في الكتب والمراجع ليس بالضرورة أن يكون صحيحا مائة بالمائة، فنحن لم نكن حاضري تلك الحقبة التاريخية حتى نتأكد من صدق جميع ما ورد عن الشخصية التاريخية التي يقدمها العمل الدرامي من عدمه، فكتب التاريخ ليست قرآنا منزلا حتى يصبح علينا أن نصدق كل ما ورد فيها كما ورد. كل الأحداث التاريخية بلا استثناء لها أكثر من رواية حسبما رؤية الرواي لها. فمن العجيب جدا أن يهاجم البعض المسلسل لهذا السبب. جربوا أن تحكوا واقعة أو حدث معاصر كنتم شهود عيان عليه وستجدون أن كل منكم يرويه بطريقة مختلفة من وجهة نظره وحسب إدراكه له، فما بالنا بحدث تاريخي لم نعاصره من الأساس.
ما هو مثبت تاريخيا بلا خلاف أن هناك شخصية اسمها حسن الصباح أسست طائفة دينية على مفاهيم غير سليمة. وهذا لم يحرفه المسلسل بأي حال من الأحول.
أما الانتقاد الآخر والأكثر شيوعا وتداولا هو استخدام اللهجة العامية في المسلسل وليس العربية الفصحى بزعم أن استخدام العامية لا يتناسب مع مسلسل تاريخي وأن استخدامها يؤثر سلبا على تعلم الناس العربية الفصحى والمحافظة عليها. والسببين الحقيقة أعجب من بعض في رأيي. فالدراما ليس من مهامها أن تعلم اللغة للمشاهد، فهذا الدور هو دور المدارس والمؤسسات التعليمية. كما أن تصنيف أي عمل درامي تصنيفا تاريخيا لا يعني بالضرورة أن تكون اللغة المستخدمة فيه هي الفصحى.
فالهدف من العمل هو إيصال رسالة وقيم معينة لكل فئات المجتمع على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الاجتماعية والثقافية. فالأصل في الدراما هو ما تقدمه من رسالة ومعنى ومن متعة بصرية وسمعية وكل هذه العناصر توافرت واكتملت ببراعة في المسلسل.
واللغة العربية ليست هي اللغة الوحيدة في الكون التي تنقسم إلى فصحى وعامية، فالإنجليزية أيضا كذلك على سبيل المثال. درست في المدرسة بعض مسرحيات ويليام شكسبير بلغتها الأصلية التي كتبها بها، وهذه اللغة لا يتم استخدامها بأي حال من الأحوال في الأعمال الدرامية الإنجليزية المأخوذة عن مسرحيات شكسبير والتي تدور أحداثها في الحقبة الزمنية التي عايشها هو. وأقصد بكلامي أنه في عرف الدراما ليس غريبا أو مستهجنا استخدام اللهجة الدارجة التي يعرفها المشاهد طالما لم يتم إقحام عليها أي ألفاظ مستحدثة لا تتناسب مع عصر الحدث التاريخي. والحوار الذي جرى على ألسنة جميع الشخصيات في مسلسل الحشاشين حتى وإن كان بالعامية إلا أنها عامية مقعرة تتناسب مع الفترة الزمنية التي يقدمها المسلسل دون غرابة أو استهجان.
سبق وأن تم استخدام العامية في فيلمي المصير والمهاجر للمخرج يوسف شاهين والاثنين كانا عن فترة زمنية تاريخية أيضا، ولم يقلل استخدام العامية فيهما من قيمة العمل الدرامي ولم نسمع أصواتا آنذاك تستهجن استخدامها.
وأطرح هنا سؤالا على المعترضين على عدم استخدام العامية بدلا من الفصحى في المسلسل، ماذا لو كان العمل الدرامي عن الفرزدق مثلا هل لو استخدم كاتب السيناريو ذات ألفاظ اللغة المستخدمة في عصر الفرزدق سيكون موفقا؟ أم أن المسلسل سيفشل فشلا ذريعا في تحقيق أي نسبة مشاهدة كون المشاهد العادي لن يفهم الكثير من المعاني التي يدور بها الحوار بين الشخصيات.
إن مخاطبة الدراما للمشاهد باللغة التي يفهمها وتجعله منسجما مع العمل الدرامي هي واحدة من أهم أسباب نجاح أي عمل.
كمشاهدة ومتذوقة للفن وككاتبة روائية وسيناريست أيضا أرى أن الكاتب عبدالرحيم كمال أبدع باقتدار في كتابة هذا المسلسل، وفي كتابة الحوار الذي كان في حد ذاته مدهشا يحمل عدة رسائل عميقة المغزى والمعنى.
إن مسلسل الحشاشين حتى وإن كان يقدم شخصية تاريخية اسمها حسن الصباح في فترة زمنية بعيدة، إلا أنه يقدم في الوقت ذاته واقعا معاصرا مع اختلاف أسماء الشخصيات فيه، إلا أن بعض العقليات لا تزال كما هي، وأيضا النفوس البشرية، وهو الأمر الذي لا يتغير كثيرا من عصر لآخر. فالتاريخ لا يكرر نفسه كما يقال ولكن الحمقى على مدار التاريخ هم من يكررون أخطاء أسلافهم ويسيرون على نهجهم دون أن يتعظوا من النهايات المأساوية لمن سبقوهم على دروب الأطماع في السلطة أو النفوذ والمكان حتى وإن كان الدين هو الثمن.
الحشاشون ليسوا هم أتباع حسن الصباح فقط في ذلك العصر البائد، بل هم أتباع كل يبيع عقله مقابل حفنة من أكاذيب يروجها تجار الدين وتجار السلطة في كل عصر. فحسن الصباح ونظام الملك وجهان لعملة واحدة في كل زمان ومكان ومن يدفع الثمن دائما هم العوام كما قالت الفتاة ريحانة لحسن الصباح وهي تحاوره من محبسها قبل أن يأمر بقتلها.
أحيي الكاتب المبدع عبدالرحيم كمال الكاتب عبد الرحيم كمال Egyptian writer and scriptwriter Abdelrahim Kamal على هذا المسلسل الرائع الذي وصل للعالمية عن جدارة واستحقاق، وأحيي المخرج العبقري بيتر ميمي الذي من وجهة نظري تفوق في مسلسل الحشاشين على من سبقوه من عمالقة الإخراج بل تفوق فيه على نفسه أيضا.
أما الإنتاج فهو قولا واحدا عالميا ونقل الدراما المصرية نقلة نوعية حقيقية تجعل أي مصري محبا للفن فخورا بهذا المسلسل المصري الذي تفوق على الدراما التركية والعالمية أيضا من حيث الكتابة والإنتاج والإخراج والتصوير والإضاءة والموسيقى وأداء جميع الفنانين المشاركين فيه.
شكرا لكل فريق عمل مسلسل الحشاشين على هذا المسلسل الرائع الذي قدمتموه لنا. شكرا على تلك الساعات التي استمعت فيها بمشاهدة كل حلقة من حلقاته.
#ريم_أبو_عيد
كاتبة وروائية وسيناريست وعضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر