أخبار عاجلة

عابدين..المقطم..مدينة نصر..قبلة الأفارقة بمصر

طالما كانت العاصمة المصرية القلب الكبير، الذي يحتضن الجميع، فلا عجب أن تكون القاهرة قبلة طلاب العلم، والتجار، والباحثين عن لقمة عيشهم، والهاربين من الضيم والاضطهاد، والمهاجرين من كل مكان، وعلى وجه الخصوص مواطني دول القارة السمراء.
ومع توليه سدة الحكم في مصر 2014، أبدى الرئيس عبد الفتاح السيسي اهتماما غير مسبوق بالقارة الإفريقية، واستغل فرصة رئاسته للاتحاد الإفريقي لهذا العام وعاد بمصر إلى إفريقيا، واستعاد ريادتها ودورها القيادي وأثبت جدارتها وخبرتها في إدارة القارة.
وانعكاسا لهذا التوجه المصري نحو الاندماج مع إفريقيا، فإن معرض القاهرة الدولي للكتاب وضع شعاره هذا العام “إفريقيا.. الثقافة والتنوع”، تأكيدا على الهوية الإفريقية المصرية التي لا مناص منها، إذ أن مئات الآلاف من مواطني الدول الإفريقية نراهم في كل شارع وفي وسائل المواصلات العامة.
في التقرير التالي، نرصد أحوال الجالية الإفريقية في مصر، وما يميزهم والأحياء، التي يفضلون العيش بها.
عابدين.. «وطن» للسودانيين
يقول محمد علي حسن، السكرتير المالي لجمعية “صاي الخيرية السودانية” العريقة في منطقة عابدين، إن “الجالية السودانية في مصر ضخمة ومنتشرة في عدة أماكن في 6 أكتوبر وفي الجبل الأصفر، وعين شمس، وفيصل، وحدائق المعادي”.
ويضيف حسن، أن “الجاليات السودانية تسكن مصر منذ أجيال، حتى أنهم يعيشون في مصر بنظام  يسمى “الإقامة الدائمة”، لافتا إلى أن جمعية صاي الخيرية السودانية تأسست سنة 1918 وفي 2018 تم الاحتفال بمرور مائة سنة عى تأسيسها في القاهرة.
وأشار حسن إلى أن منطقة “عابدين شهدت نشأة عدة جمعيات نوبية وسودانية، مثل جمعية عبري، وجمعية سيكوت، ودار السودان، وجمعية صداقة مصر وجنوب السودان، وهذا دليل على استقرار أبناء السودان ومحبتهم لهذا الحي”.
وبشكل عام، فالقاهرة تضم 25 جمعية سودانية، بعضها في منطقة عين شمس وعابدين، كما أن الجمعيات السودانية موجودة أيضا بالإسكندرية وأسوان.
وعن سر عشق أبناء السودان لمنطقة عابدين، أكد حسن، أنهم يفضلون العيش في وسط البلد منذ عقود طويلة، لأن أغلبهم كانوا يعملون في قصريّ عابدين، والطاهرة، مضيفا أن “عابدين بالنسبة لنا وطن منذ أكثر من 200 سنة”.
وبحسب حسن، فإن أبناء السودان لا يشعرون بغربة في مصر، لأن العادات متشابهة، كما أن السفريات البرية بين البلدين سهلت الانتقال والتواصل بين مصر والسودان، “ربما نتميز عن باقي الأفارقة والعرب أننا الأقرب للمصريين، وذلك بحكم المنطقة الجغرافية والعلاقات التاريخية”.
المقطم ومدينة نصر.. قبلة النيجيريين
ومن نيجيريا، أبو بكر، رئيس اتحاد الطلاب النيجيريين في القاهرة، إلى بعض التحديات، التي تواجه الوافدين من بلاده، مثل عدم إتقانهم العربية، ورغم ذلك فهم يفضلون الدراسة في جامعات مصر، مثل الأزهر وجامعتي مصر الدولية، و6 أكتوبر.
ويقول أبو بكر، إن معظم الوافدين من نيجيريا إلى مصر من الطلبة، يدرسون من خلال منح دراسية، وبعضهم يعمل ليغطي نفقات الدراسة، موضحا أن بعض أبناء الجالية النيجيرية، خاصة الوافدين من الشمال، يسكنون في القطامية والمقطم، أما الوافدون من الجنوب فيفضلون العيش بالحي العاشر بمدينة نصر.
وحول علاقتهم بالمصريين، أكد أنهم أبو بكر، أنهم مندمجون في المجتمع المصري، ويشعرون بالأمان، خاصة أن الرئيس عبد الفتاح السيسي مهتم بالشباب الأفارقة.
اتحاد الطلبة الأفارقة.. اندماج أبناء 40 دولة
ويتفق التشادي هارون مع أبو بكر النيجيري، فهو يرى أن الشعب المصري مختلف عن الشعوب الأخرى، منفتح بكياناته واتحاداته ووزاراته ومعني بالأفارقة.
ويقول هارون، وهو طالب من جمهورية تشاد، ويدرس بجامعة الأزهر في مرحلة الماجستير، وشغل سابقا المراقب العام للطلبة الأفارقة في مصر، “لقد قدمت مصر لنا الكثير، ما لم تقدمه لنا بلادنا ولا أي بلد آخر، مصر احتضنتنا وتعلمنا فيها”.
وأضاف هارون، “نعتبر أنفسنا من أبناء مصر، وعلينا أن نقدم لها، كما قدمت لنا، حبا ودفاعا عنها بمالنا ودمنا وجهدنا”، لافتا إلى أن اتحاد الطلبة الأفارقة ينتمي لمقر الجامعة الإفريقية بشارع أحمد حشمت في الزمالك، وتأسس عام 1956، ويضم الاتحاد تقريبا أربعين دولة إفريقية.
وعن أحوال الطلبة، أشار هارون إلى أن الطلاب الأفارقة من كل الجنسيات عددهم كبير لا يمكن حصره في جميع الجامعات المصرية في كل التخصصات، منهم من تخرج وكثير منهم من ذهب إلى بلاده وبعضهم تقلد مناصب مرموقة في بلادهم وأصبح منهم الوزراء وقياديون.
وإلى جانب دراسته، يشغل هارون حاليا منصب مفوض المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في سفارة جمهورية تشاد بجمهورية مصر العربية، ويقوم ببعض الأعمال الإنسانية، وتنظيم الفعاليات والرحلات لكل الأفارقة المسلمين والمسيحيين، فضلا عن جهوده في تنسيق القوافل الطبية،  التي يرسلها الأزهر الشريف إلى جمهورية تشاد.
«مصر السمرا».. مشروع لإحياء الهوية الإفريقية
منذ أربع سنوات، أسس شاب مصري من أبناء النوبة، يدعى حسين محمود، نواة لمشروع ثقافي، أطلق عليه حركة “مصر السمرا”، يحاول من خلاله المساهمة في إحياء النزعة والهوية الإفريقية في مصر، وخلق حالة من التواصل الإنساني مع الطلاب والجاليات الأفارقة.
وينظم محمود كل فترة الندوات والحلقات النقاشية، ويدعو للاحتفال بالأعياد الوطنية والقومية بمشاركة الوافدين الأفارقة في مصر، لخلق حالة تواصل إنساني.
ويقول محمود، “لقد تغير الوعي العقلي الجمعي لدى المصريين، خاصة فيما يتعلق باهتمامهم بإفريقيا، خاصة بعد أزمة سد النهضة والنيل، لقد أعاد الرئيس السيسي مصر من غربتها 40 عاما عن إفريقيا”.
وعن الأفارقة، أشار إلى أن مصر بها أكثر من 15 ألف طالب إفريقي، “بيد أن الوافدين من جنوب السودان هم أكبر جالية إفريقية منظمة وعددهم يتجاوز 35 ألف لديهم مكتب تنفيذي ورئيس للجالية”.
وبحسب محمود، فإن 90% من الجالية المغربية سيدات متزوجات من مصريين، ويعيش في مصر جاليات من ليبيا والجزائر كذلك، لكن أغلب الوافدين من الجاليات الإفريقية الأخرى من  الدبلوماسيين أو الطلبة يدرسون في مصر.
وعن اللاجئين، أكد أنه لا يوجد لاجئون أفارقة في مصر باستثناء مواطني جنوب السودان، ويرغب محمود في إيصال رسالة مشروعه، وهي أن “مصر وإن كانت عربية الهوية، فهي إفريقية الحضارة والتاريخ والجغرافيا.
كتبت- غادة قدري
“الكتاب 50+1”