أخبار عاجلة

كتاب جديد لنابغة دار العلوم

حينما وضع الكاتب والأديب والعالم اللغوي سعادة أستاذنا وشيخنا القدير عزالدين حسين دياب كتابه القيم حول “إعراب القرآن بالقراءات العشر المتواترة” ليكون الكتاب الأول في المكتبة العربية على منواله، فإنه قد يرى أنه بإنجازه لهذا السفر العظيم، لم يقدم خدمة جليلة إلا للقرآن الكريم فحسب، ولكن الحقيقة أن هذا العمل المتميز كان أضاف ضافية من رصيد تلك المؤسسة العريقة، والدوحة السامقة، التي تعلم فيها وتخرج منها، وهي كلية دار العلوم.
ولعل الأستاذ عز الدين ديبا لم يكن يضع في حسبانه أن هذا الكتاب الذي ألفه، تُضاف حسناته في طلائعها الأولى إلى موئله الأول وهي كلية دار العلوم التي صنعته وأنجبته وتخرج فيها ليكون من علائمها العلمية المبرزة.. ولكنه سرعان ما عاد إلينا اليوم وهو يتوج دار العلوم ويفي لها حقها عليه وجميلها فيه.
والشيخ الأستاذ (عز الدين دياب) حسب ما عرفنا عنه مؤخرًا ليس مجرد طالب تخرج من دار العلوم وحمل شهادتها، ولكنه بمثابة هذا العاشق الذي هام بأروقتها وأيامها وذكرياتها وأساتذتها الذين تلقى عنهم العلم، وتشرب منهم الفهم، وارتوى من معين آدابهم وفوائدهم.
وإذا كان قد أبهرنا منذ عام بمصنفه اللغوي القرآني القويم، والذي كان أعجوبة فريدة فد استنفد في إخراجه سنوات طوال من عمره المبارك، فكان أعجوبة وقته، ومفخرة حينه في خدمة القرآن واللغة العربية، فإنه ومع مطالع هذا العام 2023م قد فاجأ الجميع بتلك الذكريات عن معشوقته دار العلوم، في كتابه الجديد ( صور قلمية.. دار العلوم وأكناف دار العلوم) فحكى فيه رحلته معها، وأيامه فيها، والتي كانت من أخصب وأجمل فترات ذلك الصرح الشاهق الذي صنع العلماء والرواد والمصلحين، الذين كان لهم دور مشهود في قيادة الحياة الثقافية والفكرية في مصر.
لقد طالعت هذه السيرة الرائقة، للأستاذ عز الدين دياب، فوجدتها تاريخًا رائعًا لدار العلوم، في فترة من أزهى فتراتها، ولم نتعرف من خلالها على أعلامها الذين درسوا له، وتتلمذ على أيديهم فقط، وإنما جال بنا في ذكرياتهم وصفاتهم وأحوالهم، فجعلنا وكأننا نعيش معهم من قرب.. أسماء لامعة في سماء الأدب والفكر والتاريخ والشريعة واللغة والشعر، قدم لنا الكاتب صورتهم التي بهرتنا فيها إنسانيتهم، كما أبهرنا ما عرفناه فيهم من إبداعهم ونبوغهم.
وأنا أمام هذا السفر الرائع الذي مزج فيه صاحبه بين حياته الشخصية وسيرته الذاتية، وبين تاريخ دار العلوم أساتذة وطلابًا، أهيب بالجامعة المصرية وبكلية دار العلوم، أن تقوم بطباعة هذا الكتاب وتوزعه على طلابها، ليكون مقررًا على كل من دلف فيها وشرف بالانتساب إليها، لأنه يسجل بروح الطالب المحب، كيف كانت دار العلوم فيما بلغته من القيمة والسمو والرقي والأثر المحمود.
إن هذا الكتاب الذي أكاد مع قراءته أن أقبل يد صاحبه الذي خطه بيمينه، أجزم أنه من أجمل ما قرأت في هذا العام من أدب السيرة الذاتية، إذ يحكي ذلك النمط الذي أحبه ويسلب لبي ويستهوي ذائقتي ومزاجي، من سيرة العلماء وأحوال النابغين، من أهل الفكر واللغة والأدب والتاريخ والدين من صنائع دار العلوم ورموزها التي تباهي بهم مصر.
ولعل عبقرية هذا الكتاب تتجسد في روعة أسلوبه، ورشاقة أدائه، وسمو لغته، وهذا التشويق العارم في أحداثه، والأنس المستشري بين فصوله، فيما حكاه صاحبه وسجله من أيامه ومواقفه ومشاهده وتأملاته.. وكيف درج كشاب يدمن القراءة والثقافة والاطلاع، ليكون لائقًا باسم دار العلوم والانتساب إليها.؟!
أهيب بكل مثقف أن يقرأ هذا الكتاب ليجد فيه الإفادة والأدب والخبرة والمعرفة والتاريخ والمتعة والأنس والإبداع، بل ليجد فيه معاني الوطنية، وحب هذه الأرض التي قامت على رباها دار العلوم، وأنجبت من أبنائها أمثال الأستاذ الفاضل “عز الدين دياب” ربيب دار العلوم الوفي.