أخبار عاجلة

السينما فى السنغال.. نجوم تنطفئ وسوقٌ ينفضّ

في السنغال، والتي تحلّ ضيف شرفٍ على معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، كما في غالب الدول الأفريقية، بدأت السينما نشاطها في النصف الثاني من القرن العشرين، بعد رحيل الاستعمار، ومرّت بمرحلة من الازدهار، قبل أن يعود إنتاجها للتناقص منذ الثمانينيات، حتى صارت تمر الأعوام والشاشة الكبيرة لا تكاد تضيء بفيلم واحد جديد.

أول ما أنتجته السنغال من الأفلام كان في العام 1955، وكان أول فيلم فرانكفونى أفريقى، حمل عنوان “Afrique sur Seine” أو “أفريقيا على نهر السين”، للمخرجين مامادو سار وبولون فييرا. وكان فيلما وثائقيا مدته 20 دقيقة، يصوّر حياة الأفارقة فى عاصمة النور، مع تعليق صوتى وموسيقى أفريقية الطابع. أما مخرجه فييرا فليس سنغاليّ الأصل، لكنه انتقل لها بعمر العشر سنوات، واستقر هناك، ومنها ذهب لدراسة السينما فى العاصمة الفرنسية باريس. ولأن طلبه بتصوير فيلمه فى السنغال قد قوبل بالرفض، قرر أن يصوّره فى باريس.
يعتبر الكثيرون بولون فييرا أول مخرج أفريقى أسود يقف وراء كاميرا. وقد استمر فى تصوير الأفلام فى سنوات لاحقة وصنع عدة أفلام وثائقية منها فيلم “Indépendance du Cameroun, Togo, Congo, Madagascar” أو “استقلال الكاميرون وتوجو والكونغو ومدغشقر” عام 1960، ويتضمن مشاهد لمرحلة الاستقلال عن الاستعمار، وفى العام 1969 تأسس الاتحاد الأفريقي لصانعى الأفلام.
الطفرة الحقيقة لسينما السنغال لم تأت إلا بعد نيلها الاستقلال فى 1960، على يد الرجل الملقب بـ”أبو الفيلم الأفريقي” عثمان سيمبين، الذى خاض رحلة طويلة كونت ثقافته السياسية والاجتماعية. فهو ابن لصياد عمل فى الكثير من المهن اليدوية فى فرنسا، وكان أحد أعضاء الحزب الشيوعي هناك، قبل أن يعود في الأربعين من عمره إلى السنغال بعد استقلالها.
عثمان فى الأصل أديب روائى، رأى فى السينما وسيلة ليصل إلى جمهور أكبر وأوسع، بدأ بفيلم قصير عام 1963 بعنوان “Borom Sarret” أو “رجل العربة”، مدته 20 دقيقة، ثم فيلم “Niaye” أو “الحقول” عام 1964، روائى قصير، وبعد عامين أنتج وأخرج فيلمه الطويل الأول، وهو أول فيلم أفريقى أصيل في وسط وجنوب القارة بعنوان “La Noire de”، أو “فتاة سوداء”، وحصد عنه تانيت قرطاج الذهبى فى العام نفسه 1966، بالإضافة لجائزة جان فيجو الفرنسية، الأمر الذى منحه شهرة كبيرة في القارتين الأفريقية والأوروبية.
عثمان هو رسول السينما الأفريقية عامة، والسنغال خاصة، ذهبت أعماله إلى معظم المهرجانات العالمية، فينيسيا وموسكو وكان وكارلوفى فارى وبرلين وغيرها، فازت وترشحت للفوز بكبرى الجوائز، وصار أسلوبه فى النقد الاجتماعى والسياسى للسنغال فى فترة ما بعد الاستقلال، منهجًا لمعظم معاصريه من المخرجين السنغاليين.
ويمكن اعتبار فترة السبعينيات والثمانينات العصر الذهبى للسينما السنغالية، ففيها حصد مخرجوها جوائز عالمية، وبرزت أسماء جبريل ديوب مامبيتي الذى ترشح فيلمه “Hyènes” أو “الضباع” لنيل سعفة كان الذهبية عام 1992، وصافي فاى وفيلمها “Kaddu Beykat” عام 1976 حصد جائزة الفيبريسى فى مهرجان برلين، وتعد بهذا الفيلم أول مخرجة أفريقية فى الوسط والجنوب.
تعانى السنغال حاليا من مشكلة عدم وجود شاشات عرض للأفلام السينمائية إلا بشكل محدود جدًا، وصعوبة التوزيع، وهو ما يعيق صناعة السينما، على الرغم من كونها من أهم دول الوسط والجنوب فى صناعة السينما، وإنتاجها يعتبر الأكثر حصدًا للجوائز والألقاب العالمية، وهو انعكس على انتشار الفيلم السنغالى فى العالم، فلم يعد كما كان في البدايات، وربما كان آخر الأفلام السنغالية التي حققت دويا عالميا “Félicité” للمخرج آلان جوميس، عام 2017.

كتب: رامى المتولى
“الكتاب 50+1”