أخبار عاجلة

قصيدة «حديث الأجنحة الصدئة» للشاعرة التونسية “مفيدة صالحي” من ديوان “رسم بياني للغرق وقوفًا”  

تبّا!..
لا تتحدّثْ عن كَرَمِ الضّوءِ المُخبّإ في الطّريقِ ،
أُوصيكَ أن لا تَقتطعَ وقتَ الضّوءِ
فالحُزمَةُ منهُ ميثاقٌ.
وحدّثنِي عنِ الظّلمةِ المُكدّسةِ بالزّوايا…
و إحباطِ ظِلِّكَ حينَ يتُوهُ في رِواقِ العتمَة …
عن الزّائرةِ التّي تستغرقُ كلَّ فُحولتكَ
و تتركُ عند الصّباحِ رمقا مُغمًى عليه
على حافّةِ نافذةٍ جرداءَ عافَتْها العصافيرُ.. .
….
لا تتحدّثْ عنِ الأحمرِ في دمي
حدّثنِي عن الأزرقِ في شِريانِ صوتِي
حين يضخُّ الرّطوبة َ
و تعجزُ الفكرةُ عن افتضاض أجنحتها الصّدئة.
….
حدثّنِي عن شجرةٍ أنساها الجدبُ
كيفَ كانتْ تُضاجعُ الماءَ وتحبُلُ بالعصافيرِ،
حدّثنِي عن الصّمتِ يلعقُ دمَه كذئبٍ ،
عن ترتيباتِ مسافاتِ النّسيانِ ،
عن لُهاثِ الرّئةِ وهي تُغامِرُ نحو السّؤالِ ،
عن بجعٍ إسودَّ من تِلقاءِ قُبلةٍ فاسِدَة ..
……..
تبّا !..
لا تتحدّثْ ثانيةً عنِ الوَجعِ المُرتِّبِ للنّهاياتِ .
فليس من عادتي الوصولُ .
أنا اقترضتُ نعلا من حصى الأرض
وأظافرَ من سعفِ النّخيلِ ،
واعتدتُ مرآى الغبار في أرجائي المقفرة
التّي لا يمرُّ منها غير الله و صدى صفصافة عارية ملّت غزل الغُيوم ….
كلُّ الخيولِ في دمي مسّها الوهنُ ،
و لم يعد هناك مُتّسعٌ لحفنةِ صقيعٍ تُسبِّحُ باسم الشّمسِ .
ألاَ تراني أنثرُ فُقّاعاتي لأِشاكسَ غريزَةَ مساميرِ الهواءِ.؟
فلن تلائمني تعاويذُ الفضّةِ و حِيادُ البياضِ .
……………..
تبّا!..
حدّثني فقط عن بُصاقِ الكلامِ في الحاناتِ الخلفيّة ،
و كيف يُطَيِّرُ مخمورُ رأس لُوركا بِجرّةِ ألمٍ ،
ثمّ يُقدِّمُ طلبَا لِفُسحةِ بُكاء علنيّة .
حدّثني عن العمُودِ الفقرِيِّ لشهوةٍ إنْكسرَتْ ذاتَ وهمٍ …
حدّثني كم تحتاجُ من نافتالينْ تلكَ الأمنيةُ التّي تعفّنتْ من الرَّكْنِ..
حدّثني عن العزلة ِ/ وإحباطِ الكراسِي المُكفّنةِ بالغيابِ…
عن الطّوابيرِ/ و رجس الإنتظارِ…
عن الضّجيجِ / و مدنِ الحربِ..
عن الكرهِ / وطُفولة مثقوبةٍ من جرّاءِ قِدمها ..
عن البيوتِ بلا أسقُفٍ / وامرأةٍ ترتّلُ أغنيةً بلونِ الشّيحِ..
عن البذاءةِ / وحفلِ الشّواءِ على حافّة ِ الذّينَ يتولّوْنَ عروشهم كلّ فجرٍ..
عن الموتَى / و الثّوابيتِ التّي تقتصُّ من ذُنوبِ الأشجارِ..
عن الشّعراءِ / والمنطقةِ الوُسطى بينَ البحرِ و الملحِ..
عن الخيانةِ / و فُجُورِ اللّعنة..
عنّي ….
عن جثّةٍ من طينةٍ أخرَى لا جَنّةَ لها و لا جحِيمَ.