أخبار عاجلة

قراءة في رواية “ماذا بعد؟” للكاتب عادل جابر عرفة بقلم ريم أبو عيد

بقلم ريم أبو عيد كاتبة وروائية وسيناريست وعضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر

ماذا بعد؟ سؤال يبدو بسيطا في ظاهره ولكن في جوهره يحمل الكثير والكثير من الإجابات المحتملة.. سؤال صعب ماذا بعد؟ من منا يمكنه أن يعرف ما الذي سيحدث في اللحظة القادمة؟ الإجابة أن لا أحد باستطاعته أن يتنبأ بالقادم في أي أمر من أمور الحياة. ماذا بعد؟ سؤال طرحه الروائي في صفحات روايته التي جاءت في 189 صفحة ولم يجب عليه حتى نهاية الرواية.
ماذا بعد؟ سؤال ظل يدور في وجدان ناهد بطلة الرواية منذ أن أجبرها والدها على الزواج من رجل جاف المشاعر لا تربطها به أي علاقة عاطفية على عكس ما تمنته طيلة حياتها، أن يكون زواجها من رجل تعيش معه قصة حب كتلك التي عاشتها أمها مع أبيها والتي كانت ناهد ترى انعكاساتها في كل لفتة بينهما وكل تعاملاتهما معا. ومن المفارقات الغريبة في الرواية والتي لم أجد لها مبررا منظقيا أن يتعنت والد ناهد في زواجها من رجل لا تكن له أي مشاعر على الإطلاق بل كانت ترفض الزواج منه لهذا السبب وهو – أي والدها – يعرف ما للحب من أهمية في بناء علاقة زوجية متينة الأواصر، الأمر الذي جعلني أجد في موقفه المتشدد في إجبار ابنته ناهد على هذه الزيجة التي تخلو من أي عاطفة حتى المودة والرحمة اللتان هما أساس أي علاقة بين زوجين. أرى أن هذه الجزئية تحديدا في الرواية كان ينقصها شيئا من المنطقية أو المبرر المتقن في حبكة الرواية في العموم.
نرى حياة ناهد بعد الزواج حياة جافة خالية من أي مشاعر الأمر الذي يجعلها تعيش مرارة وقسوة الحرمان العاطفي، وما يزيد حياتها قسوة بخل زوجها المادي أيضا، بالإضافة إلى شعور الغربة الموحش الذي تعيشه في بلد غريب بعيدا عن أسرتها وعائلتها. ولكنها تتلهى عن ذلك كله بتربية ابنتيها وكأنها تفني شبابها وحياتها في البنتين.
يموت الزوج ويبدأ فصلا جديدا من فصول المأساة في حياة ناهد وهو صراع أشقاء زوجها على الميراث ومنعها من الحصول على حقوقها وهو ما يحدث كثيرا في واقع الحياة لذلك أقنعني في الرواية بإمكان حدوثه وكان له دورا رئيسا أيضا في سير أحداث الرواية بعد ذلك.
تعود ناهد من غربتها لتعيش مع والديها فترة من الزمن ولكنها تبحث عن عمل في دولة عربية لتتمكن من توفير المال اللازم والكافي لتربية بنتيها خاصة بعدما استولت عائلة زوجها الراحل على حقوقها وحقوق البنتين. وكأرملة تعيش بمفردها مع بنتين في بلد غريب تتحفظ ناهد بصورة مبالغ فيها مع كل من يحيطون بها وتنغلق على نفسها حتى لا تتعرض لأي سخافات مثل تلك التي تتعرض لها أي امرأة مطلقة أو أرملة في مجتمعاتنا الشرقية، وكأن المرة في هكذا حالات تصبح فريسة سهلة لمن يفتقدون كل معاني الرجولة الحق وللأسف الشديد أنهم كثيرون في هذا الزمن.
بمرور السنوات تستطيع ناهد أن توفر لابنتيها كل ما يوفر لهما حياة آمنة ومستقرة، وتبدأ ناهد في الاهتمام بالأدب وتتعرف من خلال مواقع التواصل الاجتماعي على كاتب وهو عزمي وتتوطد علاقتها به وتشعر بعاطفة جياشة نحوه. يعترف لها عزمي بحبه ورغبته في الزواج منها، ولا تتردد ناهد في القبول لما وجدته في عزمي من مشاعر كانت تفتقدها طيلة حياتها. ولكن عزمي يخذلها ولا يستطيع إتمام زواجه منها بعد وعوده لها التي قطعها على نفسه بمحض إرادته وذلك بعد أن ثارت زوجته عليه. يقرر عزمي إنهاء علاقته بناهد بالرغم من أن علاقته بزوجته منعدمة تماما كما جاء في الرواية وبالرغم من حبه الشديد لناهد، وهو موقف وإن كان مخزيا إلا أنه واقعي بشدة ويحدث كثيرا في الحياة الحقيقية وليس فقط في الروايات، لذلك لم يثر تعجبي أو اندهاشي.
ولكن ما أثار اندهاشي وربما اعتبرته غير منطقي البتة هو عودة ناهد لعزمي بعد فترة من الزمن وبعدما عاشته من وجع وكسرة قلب وألم وصدمة بسبب خذلانه لها. ربما أيضا استفزني موقفها جدا حتى أنني اتصلت بالزميل الروائي عادل عرفة كاتب الرواية وأبديت له رأيي في هذا الأمر واستهجاني له، إلا أنه أكد لي أن روايته استقاها من حكاية واقعية لأحد أصدقائه. وأن أحوال القلوب لا يستطيع أي امرىء أن يتنبأ بها وأن أحكامها لا تخضع لأحكام العقل المتعارف عليها. وأعترف أنه محق جدا فيما قال، فالحب الصادق يجعل المحبين قادرين على التسامح الحقيقي ودائما ما يجعل لديهم الاستعداد لبداية جديدة من أجل الحفاظ على هذا الحب.
تتوطد علاقة عزمي وناهد بعد عودتهما لبعضهما ويساند عزمي حبيبته ناهد في كل أمور الحياة ويدعمها وتشاوره هي في كل كبيرة وصغيرة تتعلق بشؤون بناتها حتى تصل بالبنتين إلى بر الأمان، ويعود عزمي مرة ثانية يطلب الزواج من ناهد وتبارك أسرتها الأمر ولكن ناهد هي التي تبقى مترددة لا تدري أتقبل أم ترفض بعد أن تجاوزت الخمسين من العمر وبعد أن تزوجتا ابنتاها. ويظل ذلك السؤال الحائر يتردد في داخلها ولا تستطيع أن تجد له إجابة شافية.. ماذا بعد؟