أخبار عاجلة

من ديوان “فأر متردد” للشاعر “أشرف يوسف”

 

(1)

مُضطرٌّ أن أخرجُ الآنَ من جُحري…
بِنِيَّةِ أن أكونَ صَيدًا سهلًا.

سأنتَحِرُ؛
أعني سأنتَحِر..
لأنَّ الحُبَّ لِمُجرَّد الحُبِّ
مَحْضُ فأرةٍ
تَبحَثُ عن معنى المدينَةِ
بين كَومَةِ كُتُب لأفارقة ومغارِبَةٍ
ولبنانيِّين وسوريين وعِراقيِّين جُدُدٍ…

أَصدُقُكم القولَ.. أنا فأرٌ متردِّد.
سَقَطَت أسناني داخِلي.
مُنذُ قَبَّلَتني ابنةُ أَحلامي البَلْهاءُ، صار عَليّ
أَنْ أكونَ عَبْدًا لِرَغباتي.
والعبوديَّةُ كما يَعْلَمُ الجَميعُ..
تُوَلِّدُ التردُّدَ.
العبوديَّةُ يا إخوتي، أَوقَفَتني كَفاتِحي البُلدانِ
في انتظار مُفردَةٍ، فَجُمْلَةٍ
لِتبدَأَ الوليمةُ الليليَّةُ.

 

******************

(20)

 

عُدْتُ للتَّوِّ يا إخوتي اللَّيليِّين،

بعد الانتهاءِ من جَولَتي،

وها أنا ذا أُخْبِرُكُم

بكلِّ صراحَةٍ

عن فشلي في طَرْدِ الرِّقَّةِ من بين ضلوعي.

 

اصطحبتُ صيدي

من كافتيريا محطَّةِ سِكَكِ حديد مصر

وأنا في ميلادي البيولوجيِّ الجديد..

كانَت صورةُ المرأة جميلةً جدًّا،

وواضِحةً تمامًا أمامَ عينيَّ،

وتفاصيلُ المشهَدِ

مُطابِقَةً للواقِعِ دونَ أَيَّة تحريفاتٍ؛

وهذه دلالَةٌ دامِغَةٌ بالنِّسبة لي

أنَّ قلبي لا يزالُ فارِغًا..

فلم يَكُن بإمكان مُداعباتِنا الكَلاميَّةِ

ونحن في طريقنا للتَّحقُّقِ الجَسديِّ

أن تضربَ حَجرًا في بِرْكَةِ عاطفتي الرَّاكِدَة

من أجل فَأرةٍ أُخرى أَقلَّ جَمالًا منها،

ولكنَّني أُجَنُّ بِذكراها،

ومُتعلِّقٌ كالأَطفالِ بها.

 

في الحقيقةِ بَذَلَت المرأةُ الصَيدُ

كُلَّ طَاقَتِها لأَنْدَمِجَ..

وحَدَّثَتني عن رَغبَتِها أن تكونَ كاتبةً،

بل وتمادَت

وقَرأت عليَّ قصيدةَ «أَيَظُنُّ» لنزار قَبَّاني..

بمجرَّدِ وصولِنا لِذلِكَ البابِ المؤدِّي لسريرِ الحُبِّ

في بيتها الواسِع الكبير،

الَّذي يبدو مكتومًا

من رائحةِ الدَّمِ التي عَلِقَت بأنفي،

ولم تَتوقَّفْ عيناي عن التَّلَفُّتِ

في أنحاء الغُرفَةِ بحثًا عن قتلاها.

 

دَخَلَت هي أَوَّلًا من الباب،

الذي صُنِعَ في مَدينةِ دمياطـ

وتَبِعْتُها بحذاءٍ صيفيٍّ خفيفٍ

اشتريتُه من الحَيِّ التجاريِّ بالمدينَةِ القديمة،

اندَثَرَت اللحظاتُ التَّالِيَةُ في خلوَتِنا،

واختفى شَغَفي،

وأصابَتني حالٌ من الضَّحكِ الهستيريِّ؛

فَقَدْ صارَ وَجهُها

بِنَفسِ مَلامِحِ امرأتي البعيدَةِ…

أَيُّ سِحْرٍ هذا الَّذي يُلاحِقُني!

 

خارَت قُوايَ،

وجَلستُ على أرضيَّةِ الباركيه،

وتَعجَّبَت المرأةُ الصَّيدُ

وهي تتَهيَّأُ للقَنْصِ والطَّعْنِ والقُبلاتِ،

ثم َّبدأَت الدُّموعُ تَلِي الضَّحكاتِ،

والضَّحِكاتُ يَليها الحُزنُ،

والحزنُ تَليه مُناداتُها

باسْمِ الفأرة “نانسي” الَّتي أُحاوِلُ دَفْنَها حَيَّةً بين ضلوعي…

عادَت المرأةُ الصَّيدُ من غِيِّها،

وارْتَدَّت لِما ضاع منها من حُبٍّ قَديمٍ،

ولِقَتْلاها الَّذين التقَطَتهُم أَنْفي،

وصارَت مِثلَ أُختي الكُبرى؛

فاقتَربَت، وأَمْسَكَت بِرأسي،

وهَزَّتها بِعُنْفٍ،

ثُمَّ صَرَخَت لأُغادِرَ شُرودي:

«أَيُّ ابتلاءٍ هذا في نعيمِ الحُبِّ الَّذي يُلاحِقُ صَغيري!»…