أخبار عاجلة

الكاتب التونسي عادل المعيزي يكتب: رسالة إلى أولاد أحمد في اليوم العالمي للشعر

 

عزيزي أولاد أحمد

أغمض عينيّ في هذا اليوم الواحد والعشرين من شهر مارس وأحسّ بأنّني لستُ سوى ظلّ تطوّقه الحشود ولا يعرف كيف يهرب ولا أين يفرّ.

أمضيتُ السنوات الأخيرة بعد مغادرتك لفضاءاتنا المشتركة مصابا بالضجر والإحباط والاكتئاب ولم أعد أشعر بالرغبة في الكتابة ولا في خوض الحروب الجديدة ضدّ “استبداد النقد الأدبي وضد استبداد التأويل الديني” وضدّ استبداد الثقافة النظاميّة التي مازالت تستمتع بإقصائي، وضد استبداد الإدارة التي مازالت تتلذّذ في الانتقام منّي بسبب انخراطي في تصفية إرث الماضي البطريركي الذي مازال جاثما في الحاضر..

لم أكن أنوي الكتابة إليك علنا إلاّ عندما قرأتُ تدوينة الصديق الشاعر منصف المزغنّي هذا الصباح ومفادها أنّ إقرار يوم عالميّ للشعر كان بمبادرة عربية فلسطينية ومغربية سنة 1999 في حين أنّ دليل بيت الشعر التونسي الذي قمتَ بإعداده سنة 1995 تحتوي صفحة غلافه على معلّقة تعريفيّة ببيت الشعر في 25 أكتوبر 1993 مكتوب عليها “من أجل يوم عالميّ للشعر ذاكرة الشعر العربي والإنساني”

يحدثُ لي أن لا أعرف نفسي إذ مازلتُ أحوّل أحاسيس تنتابني إلى عبارات غريبة لا تعبّر بالفعل عمّا أحسّ به وهو ما حدث معي منذ أسابيع قليلة عندما كنتُ أنقل مكتبتي حين عثرتُ على دليل بيت الشعر. وحين فتحته وجدتني أقرأ ما في الصفحة الثامنة عشر “3- اليوم الوطني للشعر: على غرار الأيّام الوطنيّة والعالميّة للمسرح والموسيقى وغيرها من الأعياد الثقافية يقترح بيت الشعر يوما وطنيّا للشعر يهدف إلى تحسيس المواطنين بضرورة الشعر وإضفاء مسحة من الشعريّة على سلوكهم وحياتهم. ويسعدنا دعوة الدولة التونسية إلى المبادرة بإقرار يوم وطنيّ للشعر ودعوة بقيّة الأمم من خلال منظّمة اليونسكو إلى إقرار هذا اليوم يوما عالميّا للشعر على غرار اليوم العالمي للموسيقى.. مثلا. وذلك لما للشعر من قدرة تعبير عن المعاني الانسانيّة الكبرى.”

لستُ متأكّدا أنّني كنتُ معك في حان الكاتب مصابا بحالة توهّج عندما كنت تحبّر هذه الكلمات لترجمة الحلم إلى الورق… لقد كنت مؤمنا باستمرار أنّ الفنون جميعها هي ضرب من الشعر لأنّ قوامها قول شيء ما…

لم تسع الدولة لترجمة الحلم لأنّ أجهزتها المتخصّصة في الاجهاز على الثقافة الابداعيّة تشكو إعاقة مزمنة لا يمكن لمثل انتفاضة 2011 أن تجهز عليها لذلك مازال العذاب الكثيف الذي أشعر به تجاه وطني يوحي إليّ بآلاف الأفكار حتّى أنّ مصنع الأفكار الذي في رأسي لم يُضرب يوما واحدا عن العمل.

وحين لم ينتبه أحدٌ إلى حلمك قرّرتُ أن أكلّف أصابعي بكتابة بيان اليوم العالمي للشعر سنة 2003 وقمت بنشره في صحيفة العرب ثمّ ظللتُ من حين لآخر أحيّنه وأعيد نشره في المجلات وفي الصحف وفي الفايسبوك دون أن تنتبه أجهزتنا الثقافيّة ولا “نقّادنا الأفذاذ” إلى ضرورة دعوة الضمير الانسانيّ للإيمان بالفكرة! الفكرة وحدها تتمتّع بالقوّة وليس الهيجان الذي تعبّر به عنها!

عزيزي أولاد أحمد،

لقد تعلّمتُ أنّ الصدق يكمن في المبالغة وأنّني أكذب حين لا أبالغ… لقد حافظت تونس طيلة عقود طويلة على اللافعل وقد حاول الشعب عبر انتفاضته أن يخطّ تاريخا بديلا وكنتَ تُمجّد فعله عبر قصائدك ونصوصكَ وكذا فعلتُ أنا لكن كانت مآل محاولته الفشل… لا شكّ أنّ بلادنا كانت تستحقّ أفضل من ذلك ولكن ذنب مَن إذا هي لم تستطع إنتاج كركدن من نوع أرقى؟ لا تقل لي هو ذنب الشعر!

نسيتُ أن أخبرك أنّ صديقنا المنصف الوهايبي كاد أن يزورك حيث أنت ولكنّه تراجع في آخر لحظة لأنّه نسيَ مثلك أن يموت (…)

حبّي الأبديّ