أخبار عاجلة

منال رضوان: وشايات عادية ماهر حسن بين التجربة الذاتية وميثيولوجيا التمرد

الشاعر والكاتب ماهر حسن

كتبت منال رضوان:

“ماهر حسن” بين الكوجيتو الديكارتي* بنموذجه الصريح والمتعارف عليه حيث التأكيد على ترسيخ الأنا، وهي ما نستشعر وجودها وبقوة وبين الفن الكشفي الذي أرسى قواعده يونج* (١٨٧٥- ١٩٦١) حيث محاولات البحث عن الأرض المجهولة في عقل الإنسان، ومعاينة الزمن الأسطوري و توضيح المساحات الفاصلة للتضاد فيما بين النور والظلمة أو الواقع والخيال والملموس وظله، واستدعاء أنموذج أتورانك لقراءة أسطورة ميلاد البطل ودوافع الأسى والشبق والتمرد كمثيولوجية واضحة في سبيل محاولة صنع المثل الأعلى لميلاد البطل الأسطوري أو المخلص المنتظر..

قام ماهر حسن وهو الشاعر والصحفي والمؤرخ والناقد للفن التشكيلي، والذي بدأ تجربته في الثمانينيات من القرن الماضي، قام بوضع مساحات رائقة وشاسعة من البوح بين أيدي القراء من خلال ديوانه السادس وشايات عادية والذي صدر في المنتصف من العام الجاري ٢٠٢١، ويعد بمثابة تجربة يجب الوقوف عندها كثيرًا.

– يتضمن الديوان خمس عشرة قصيدة ويحمل من حيث التكوين وحدة بنيوية غاية في الاتساق كتجربة ذاتية أقر صاحبها بأنه يتصور (كتابة نصه في حين أن نصه هو الذي يكتبه) قدم حسن لنا فيه خلاصة تجارب سنوات مع الحلم والضياع والأمل والفقد والانكسار وسط الخيباتٍ المتلاحقة والانتصار، أو معاينة الغد وانتظار الآمال المنشودة.

بدأ حسن ديوانه بالإهداء أو ما أطلق عليه (على سبيل الإهداء!) وشمل كلًّا من الوالدين والأبناء وامرأة كانت مخلصة في زمن خوّان.. ليبرز لنا صدق التجربة الشعرية من خلال مساحات الاعتراف.

وعقب ذلك يتضح النسق الشعري في قصيدة الديوان الأولى والتي تحمل عنوان تعبد، حيث جاء في بعض أبياتها:-

ياظليَّ

ونبوءة ألمي

يا كفّي وبراقي

وسرج الدهشة

وسراج الليل

الفارس ينهضُ

لامرأةٍ من فاكهة الفِرْدَوس

وحليبٍ وعجين

وقبابٍ للمأخوذين

بطقوس الروح….

…… إلى أن يقول:

غامضةٌ أنت رغم النور

واضحةٌ رغم الظل.

وقد ظهرت هذه القصيدة كأنموذج يحمل دلالة واضحة على بزوغ المناهج الثلاثة التي تحدثنا عنها حيث تحرك اتساق المنهج الشعري للديوان في إطارها، فبين الأنا الصغرى وهي الهم الأكبر لحسن في قصائده، وبين تمجيد البطل الأسطوري والتضاد بين المفردات وظهور التراكيب الأسطورية مثل (البراق، امرأة من فاكهة الفردوس) يلخص الشاعر تجاربه ويطرح ذاته وكأنه يقدم لنا بطاقة هويته بوصفه المحارب المنتصر تارة والمهزوم تارة أخرى، لكن على أية حال.. فهو ينم عن ذاته ويعتبر أن مساحات بوحه ما هي إلا وشايات عادية تخبره نفسه عنها وتتهادى بخطواتها إلينا في طريق لم تكن ممهدة بحال من الأحوال.

 

كما حمل الديوان من حيث أسلوبه الكثير من المعاني الكاشفة والدالة عن مكنونات النفس وعوارض ألمت بها خلال رحلتها؛ لشاعر جاء من حاضنة أيدولوجية معلومة لكثيرين.

كما بدا سمت هدف الشاعر الواضح في التمرد على الكثير من القوالب المحفوظة والملمح الإستاتيكي التقليدي المتكرر لشكل القصيدة من حيث تلخيص التجربة الشعرية في وصف حالة الألم وحصر العشق في جسد المرأة والتي لم تظهر بشكلها التقليدي في قصائد هذا الديوان، فتوارت المفردات الإيروتيكية الصارخة في سبيل استخراج الوصفي والدلالي من الحسي والبورنوغرافي، وعلى جانب آخر لا يمكننا إغفال دور المرأة في قصيدة ماهر حسن فهي محطة مهمة جدا في طريق الوصول إلى المعنى وتوصيله بصور عدة، حيث اشتملت قصائده على المتخيل كقصيدة (انتظار) والواقعي (إلى إيمان) والرمزي (تعبد) كما ظهرت بأغلب أنماط الأنثى المتعارف عليها أدبيًا فهي :

المحظية كما في قصيدة انتظار وقصيدة أبجديات الحكاية، وهي الأم كما في الإهداء وهي الوسيطة (Medium) أو المرأة المتبصرة القادمة من خيال ليصير الواقع أفضل كما في قصيدة هواجس ليلية حيث يقول:

شبحان

انتصبا في باب الغرفة قدامي

أحدهما يشرع أوجاعي

يحمل وجهي

والآخرُ

يحمل وجه امرأةٍ طيبة

لا أعرفها.. تحمل قلبي.

وأخيرًا، يبدو جليا وصول الشاعر إلى مرحلة الاختمار في تجربته الشعرية العميقة والتي ظهرت كمرحلة واضحة من مراحل ميكانيزمية الاسترجاع لديه منذ أن استيقظت الفكرة في رأسه وحتى خروجها في شكل هذا العمل القيم، ولا يسعني كقاريء أولًا غير الإشادة بهذه التجربة وتمني التوفيق لماهر حسن في ديوانه السابع.

هوامش:

-ديكارت: مقدمة قصيرة جدًا توم سوريل، ترجمة أحمد محمد الروبي.

-د. محمد حسن غانم علم النفس والأدب أسئلة حائرة وإجابات مراوغة.

– جماليات الفكر النقدي، د. محمد زيدان. المجلس الأعلى للثقافة ٢٠٢٠

– من الشعري إلى الجمالي، د. المهدي بزازي – دراسة، عالم الفكر عدد ١٨٤ أكتوبر ٢٠٢١.