أخبار عاجلة

العزف على أوتار الشعر  بقلم – أحمد سعدون البزوني ـ العراق 

 

 

ليس من السهل التمرد على الواقع الاجتماعي والعادات والتقاليد والتابوهات الأزلية التي عاشت وتعايشت معنا منذ القِدم، فمن هُنا أرادت الشاعرة السورية (بشرى محمد) أن تكسر كل تلك القيود المستعمرة وتعكس لنا في كتاباتها الشّعرية دور الأنثى في النص الأدبي، وسط هذا الكم من الزحام الذكوري في مجتمع ساد عليه العقل الجمعي قبل الفكر والمنطق،

تقصد من وراء كتاباتها الحصول على الإبهار ومحاولة لإعطاء القارئ انطباعاً عن قدرتها المهارية في الابتكار والتعبير، ولذا نجد أن قصيدها اتخذت من الصور الشعرية قناعاً للوصول لجماليات الروح، باعتقادي فإن هذا الجمال بمعناه التقني يعطي للقصيدة خصوصيتها، وهي تلعب على مبدأ التناقضات، والتضادات، سواء في اللغة أو معناها، علماً أن عزفها على آلة العود أضاف لها جمالية في كتابة النص وتزاوج الروح الشعرية والشاعرية في آن واحد، ودمج الأذن الموسيقية لأوزان الشعر مع دوزنة أوتار العود لتنتج لنا نصاً شعرياً موسيقياً مدوزناً، وذلك أن الكشف عن شخص القصيدة في النص الشعري، كشف عن آليات الخطاب الشعري، ومدى انفتاحه على تجليات اللحظة الإبداعية التي تشكل بؤرة البوح، وبؤرة الانبثاق الإبداعي، وفي تقصينا لقصيدة الشاعرة (أشرب قهوتي على شرفة جرحي) فهي تحمل قبساً من التحديات وجدنا ثمة إشارات كثيرة يمكن لها أن تكشف عن شخص القصيدة لديها، سواء في المعنى أو في المبنى، وسوف نتوقف عند إشارات (جمالية الشعر وإيقاع الموسيقي) التي يمكن أن تنسحب على التجربة الشعرية فيما يخص هذه القصيدة، وهاتان الإشارتان أو الظاهرتان، هما بحث القصيدة عن ظل المعنى، وظاهرة التماهي بين الأنثى والقصيدة، التي مثلت ظلاً يكتنه فعل التخصيب، وفعل التحدي، الفتنة والغواية في نصوصها الشعرية.

هذا هو الصراع المعتمل والذي يمور في صدر الشاعرة بشرى محمد حيث الإعلان والكشفُ عنهُ تورط والسكوت عليهِ تكميم ولذلكَ نراها تتوغل في جلد الذات، غير أنها تلمحُ ولا تعلن من أن العملة واحدة، وإن اختلفت استخداماتها هذا الصراع النفسي المستمر، هو عملٌ مقصود، وليس بريئاً كما يبدو للقارئ، كما استخدمت الشاعرة الفتنة والغواية في النص الشعري،

اشرب قهوتي على شرفة جرحي

تداعبني ذكريات وجعي الغضة

تتراقص بغنج

أتنفس عبق صباح مستغربا أنفاسي

أُراقب بصمت تيار الالم الراكض بلا ملل

وسرعة رياح الغدر

يبدو وقتاً ملائماً للإبحار

تشتغل القصيدة لدى الشاعرة على مقامين للاستجابة إلى ظل المعنى في القصيدة، مقام الكشف عن خصوصية المفهوم حيث يتجلى الفهم للخطاب الشعري، عبر خصوصية البحث عن الرؤية الشعرية التي تنبثق من ظل المعنى لديها، أي أن الشاعرة تستدرج مقامات تشكل المعنى في القصيدة عبر القصيدة ذاتها، والمقام الثاني هو الكشف عن التجليات المختلفة التي ينهض من خلالها شخص القصيدة، وهذه التجليات تتصل بمدى خصوصية الخطاب الشعري، أي الفلسفة التي ينهض من خلالها فهم الشاعرة في تعاطيها مع القصيدة، سواء على مستوى الدفع في اتجاه فرض الذات في مجتمع ذكوري كحالة من تجليات المعنى، أو بالكشف عن آلية السؤال التي تعد من آليات البوح الشعري والكشف عن خصوصيته في صدع الثابت، وصدع المألوف.