أخبار عاجلة

( الـبَيـاضُ يَليقُ بـسُـوزان ) قصيدة للشاعر المغربي ” بو جمعة العوفي “

الـبَيـاضُ يَليقُ بـسُـوزان
(إلى الشاعرة سوزان عليوان في باقتها الشعرية: “مصباح كفيف”)

زهــــرة ماتـيس:
في قيلُولته
يتعرى “ماتيسُ” من سِيرته
ويُبادل عينيه بزهرة أكـريليك
كي ينبُتَ لهما قيظٌ أخضر
وسماء نازفة…
وعــشيــقان
ينامان على حافَة قبرهما الشّخصي.

الخوذة النفسية:
الآن وقد
وطأتْ قدماكِ الهائلتان
ليلَ الغواية
لن تحتاج روحُكِ المرصّعة بالنجوم
لارتداء خوذتها النفسية
اتّقاءً لشهوة الحقول
أنتِ الآن
خارج تقويم الألم.

الــنـــافـــذة:
الأجدرُ بي في هذا الليل الآبق. أن أسير لوحدي باتّجاه النجمة. أن أغمِضَ عينيّ على ملاك صغير. روحه من معدن وجناحاه غابتا سنديان. الأجدرُ بي أن أُفْرغ باحةَ وقتي من كل الأشياء وأطرد كل العقلاء خارج غرفتي. أن أعبّئ بالعصافير حديقتي ورئتيّ الماسيتين. وألقي بظلالكِ في جوف استعارة بيضاء. كي لا تدركها البداهة. الأجدرُ بي أن أكون وحيدا قُبالة هذه النافذة!

أكــــــواريل:
روحكِ
مثل ظهيرة فان غوخ:
تتمازج فيها الألوان
بالــقيامة الجامحة!

رهـــــــــان:
يَلزَمُني كي أصعَد آلامكِ
أن أُجَرّح اسمي
أن أصِلَ الأرقَ الأبهى
وأجَابِهَ معنى الوحشة بين أصابعك.

عصفورة الوطن العاري:
كم يحلو لتلك الطفلة أن تعبث بظلال الملائكة. بأشيائهم المرتبة بعناية تزيدُ عن اللزوم. وتضيف إلى وقتهم لون الفراشات وبعضا من طفولتها الشاهقة. هكذا رأيتُ العصفورةَ تنقل أعشاش الضوء وأسماء الطيور من السفح إلى القمة. تستعير من الأصدقاء أرواحهم البالية لتستبدلها بوطن من الكرز الأبيض. غوايتُها: أن تمتلئ كفّها بالنجوم ويصير العالَمُ حديقة ملونة.

مـــــــلاذات:
تماما
مثل خـطو الغريب
ألوذُ بعزلتكِ الزرقاء
متى داهمني الغسقُ…
كي تَصِلَ القدمان أقصى درجاتِ الزّفير.

البياض يليق بسُوزان:
صوتُكِ
شفق للذهول،
ويدي وجعٌ ضوئي:
تشربه الفراشاتُ كي يليقَ البياضُ بسُوزان …
لكِ الأبهى،
ليَ الشهقةُ …
وهذا الخواءُ الذي تُرمّمُه أصابعك.

افـتـراضـــات:
كثيرا ما افترضت لأشجاري أرواحا يانعة، ولأشيائي الصغيرة حيوات أخرى. ورأيتُ لكل الأمكنة عيونا وأصابع تنغرس في جسدي كلّما شغّلتُ – في السر – طفولتي مثل شاشة عرض صغيرة.. كثيرا ما مرّرْتُ يدي على هذا الصخب الهائل – كاتما صوتَه – كي تصل الألوان فقط إلى جنتي. هذا المصباح الذي بين يديّ: تفاحةٌ باسم امرأة مُربِكة.

ســــــــــــؤال:
“ما الذي بِوسْع ملاَك
أن يفعله
في ليلة باردة كهذه؟”
تهمسين لحزن المدفأة
وتقذفين بالوردة في وجْه الجياع …
العاصفة ـ هنا ـ
تقف وحيدةً
كي تُطعم أطفالها المُسنّين حليبَ الأصابع …
ما الذي يجعل هذا البياضَ
شفيفا إلى هذا الحد؟
إلامَ تقودكِ تلك الأجنحة؟

خـُــــلـــــوة:
حين اقتحمَ الجلادون
خُلوة قلبي
لم يجدوا به سوى:
أرجوحةِ ضوء
وغيوم حمراء
تنتظر بريدَ الساعة الخامسة.

هِنْدُ تضيء الأفقَ بمصباح كفيف (*):
في جوفي شمسٌ فوسفوريةٌ. وخطاطيف. ودعابات سوداء. تدفعها الريح سريعا نحو سماء لا جذر لها. مطرٌ هذا الغيمُ غزيرٌ كالدمعة. الأسماء ملونة. رَجُل الثلج يغادر عينيه وقبّعة الساتان الحمراء. الأطفال يطيرون من دفتري كحمائم أنهَكها الفرح. ويدي ترتعش على أسلاك الكوكب. طيورٌ تلج القلبَ بأجنحة من سُكّر. الأقدام تعوي الريح من تحت مساكنها. يُرشدها الليل نحو شرود النجمة. للأغصان ـ هنا ـ آلامٌ وقبورٌ ومراقدُ ومناديل وكوابيس مُدوّرة. تحلم تلك الزهرة ببيتٍ أخضر. بأصابعَ تغسل للفانوس نُعاسه. وبريح تتحدث لجدائلها في الوحشة. أو تُوقظ بين يديها طائرةَ الورق. الظل ـ هنا ـ غادر شرفته والعشب تيبّس في حلْق الطائر. الأرض خلاء. هِنْدُ تُلَوّح للقمر بشرائط من مطر.

بــــيــاض:
هذا
البياضُ
جنّةٌ
أم خرائب؟
أم
عناقيد تدلتْ من القلب؟
أم
لذّة فاكهةٍ مستحيلة؟
***

(بوجمعة العوفي)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) – لوحة غلاف المجموعة الشعرية (مصباح كفيف) للشاعرة اللبنانية سوزان عليوان: رسمةٌ لهند محمد أحمد (8 سنوات): طفلة مصابة بالسرطان (كانت ترقد بمعهد الأورام القومي بالقاهرة).

القصيدة منشورة بالعدد الأخير (42) من مجلة “الثقافة المغربية