أخبار عاجلة

مدني قصري يترجم “التحرر من المعلوم ” للكاتب كريشنامورتي

مقدمة كتاب “التحرّر من المعلوم” للكاتب كريشنامورتي
ترجمة مدني قصري

من هو كريشنامورتي

الثورة الحقيقية في حياة الإنسان هي تحرّره الجواني. فالإنسان الذي يعيش في سجن عقائده وامتثالياته ليس سوى ظلٍّ وهميّ…

ولد جدو كريشنامورتي J. Krishnamurti في 11 مايو 1895 في مادانابالي في جنوب الهند. فهو كاتبٌ ومتحدّث في القضايا الفلسفية والروحية. تضمّنت كتاباتُه الغزيرة الثورةَ النفسية، وطبيعةَ العقل، وسرّ التأمل، والعلاقات البشرية، وفوائد إحداث التغيير الإيجابي في المجتمع. فهو يرى أنّ الحفاظ على هذا المجتمع هو في نهاية المطاف نتاجُ التفاعل بين الأفراد، وقد وضّح أنّ هذا التغيير الجذري في المجتمع لا يمكن أن يظهر إلا من خلال تغييرٍ جذري في ذات الفرد، من خلال تحرّره الجواني. وأكد باستمرار على الحاجة إلى ثورة في نفسيّة كل إنسان، وأكد أنّ مثل هذه الثورة لا يمكن أن تتأتى من قبل أيّ كيان خارجي، سواء كان ذلك الكيانُ دينًا، أو سياسة، أو فلسفة، أو إيديولوجية.
ويُعتبر كريشنامورتي على نطاق عالمي واسع، كواحد من أعظم المفكرين والسادة الروحيين الذين عرفتهم كلّ العصور. فهو لم يطرح أيّ فلسفة، أو أيّ دين، لكنه تناول حقائق وجودنا اليومي، ومشاكل الحياة في المجتمع الحديث، القائم على العنف والفساد، والسعي الفردي من أجل الأمن والسعادة، وسعي البشرية إلى التحرّر من أعباء الخوف النفسي والغضب والجروح والمعاناة. لقد شرح بعناية، الآليات الدقيقة للعقل البشري، وشدّد على الحاجة إلى إدخال جودة تأمّلية وروحية عميقة في حياتنا اليومية.
لم يكن كريشنامورتي ينتمي إلى أيّ منظمة، ولا لأي طائفة، ولا لأي بلد، ولم يضع نفسه ضمن أيّ تيار فكري، أو سياسي أو أيديولوجي. بل على العكس ظل يؤكد أن هذه الانتماءات هي العوامل الحقيقية التي تُفرّق بين الرجال، وتؤدي في النهاية إلى الصراعات والحروب. لقد ظل يذكّر مستمعيه باستمرار، أننا قبل كلّ شيء بشر، وليس هندوس، أو مسلمين أو مسيحيين، وبأننا البشرية، وبأننا لا نختلف عن بعضنا البعض. وقد أوصى بأن نسير في مناكب هذه الأرض باحترام، دون تدمير أنفسنا، ودون تدمير البيئة التي تحتوينا. وقد ناشد مستمعيه باحترام الطبيعة ومقوّماتها. تعاليمُه لا تتخطى فقط جميعَ أنظمة المعتقدات التي صنعها الإنسان، وجميعَ القوميات وجميع الطائفيات، ولكن أيضًا تُضفي معنى جديدًا واتجاهًا متجدّدًا لِسعي الإنسانية إلى الحقيقة. تعاليمه، المفعمة بالمعنى في عالمنا الحالي، وهي في نفس الوقت تعاليم شمولية، تظل صالحة لكل زمان ومكان .
لم يتحدّث كريشنامورتي كمعلّم بل كصديق. لم تستند محادثاتُه وحواراته على المعرفة والتقاليد، بل على تصوّراته الخاصة للروح البشرية، ورؤيته للمقدّس، وبالتالي كان تعبيرُه مباشرًا وجديدًا، مع بقاء جوهر رسالته دون تغييرٍ على مرّ السنين. فكان عندما يخاطب جمهورًا كبيرًا، كان الناس يشعرون أن كريشنامورتي يتحدّث إليهم شخصيًا، ويتعامل مع مشكلتهم الخاصة. ففي المقابلات الخاصة، كان سيّدًا عطوفًا، يستمع ويصغي باهتمام إلى الرجل، أو المرأة اللذين جاءا إليه، فيُشجّعهما على إيجاد شفائهم في داخل أنفسهم، عن طريق الفهم والتأمل. وهكذا فقد اكتشف المتديّنون والفلاسفة، والسياسيون، والمفكرون، في كلماته، ضوءًا جديدًا حوّل مفاهيمهم التقليدية.
كما رفع كريشنامورتي تحدّي العلماء، وعلماء النفس المعاصرين، وخطوة خطوة دخل في نظرياتهم لمناقشتها، وقد ساعدهم أحيانًا على اكتشاف حدودهم.
المترجِم