على جبل عرفات، يقف المسلمون من كافة بقاع الأرض، طالبين رحمة الله ورضوانه، وبينهم ساسة بالتأكيد، لن يغيب عنهم عراقيون، حضروا إلى بيت الله الحرام تاركين خلفهم مشكلات أكثر من ستة ملايين مواطن في كردستان بلا طعام، كنوع من المكايدة والعناد مع حكومة الإقليم، التي وقع رئيسها مسرور بارزاني، قبل أيام، اتفاقيتين في واشنطن بقيمة 110 مليارات دولار، في مجال الطاقة، تخدمنا بالتأكيد العراق كله.
داخل البلد الشقيق، الغني بموارده الطبيعية وإدارته الذكية في تكرار الأزمات منذ 20 سنة حينما صدر الدستور الجديد، يمكن أن تجد الكهرباء غائبة عن منازل العائلات، التي لم تعد أحوالها الاقتصادية والاجتماعية على أحسن حال، كما تهدد هويتها الثقافية المتعددة الكثير من المتغيرات التي تعصف بالمنطقة والعالم وتعيد بناء العقل البشري بطرح فرضيات جديدة أمام كل حقائق لديه، هناك يمكن أن تشهد تناقضات كبيرة، أثرياء قلة لا حدود لأموالهم ولا سقف، وكثرة من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر العالمي أو يقتربون منه، متى غيبت عنهم الإدارة مصادر أرزاقهم ودخولهم الوحيدة.
هنا؛ نتوقف قليلا، حينما نجد دولة الحضارة التي نشأت فيها مرجعية صناعة القوانين و الدساتير، وقد استسهلت وزيرة المالية في حكومتها إصدار قرار يخالف الدستور وأيضا قرار المحكمة الاتحادية الصادر العام الماضي، لتمنع عن شعب كردستان رواتب الموظفين وعددهم نحو 650 ألف موظف، في موسم ديني واجتماعي، تحتاج فيه عائلات الإقليم المشهود لهم بالتضحيات في مواجهة الإرهاب وقبله الأنظمة الاستبدادية، بينما السائحون من داخل العراق وخارجه يحضرون لإنفاق الكثير على بهجتهم داخل محافظات الإقليم.
نظرة إنسانية؛ بعيدا عن حسابات السياسة المتقلبة قريبة من حكم الدين الثابت بالضرورة والذي لا تخضع قيمه لأية مزايدات، تجعلنا نتخيل طفلا بلا طعام و أمهات بلا مأوى في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، وآباء تنكسر أعينهم أمام من يعولون، جراء قرار انتقامي مخالف للدستور والقانون وقبلهما الدين، أفهل هذا هو العراق الذي ارتضاه الجميع اتحاديا فيدراليا يحترم كافة أبنائه من كل العرقيات و الأنساب؟.
في النظام الفيدرالي العراقي نرى الرئاسات الثلاث وقد تم التوافق عليها، رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، والمحكمة الاتحادية تباشر عملا قضائيا تحمي به الشعب كله من جور السلطة أيا كانت، وعليه أصبح لإقليم كردستان رئاسة وحكومة وبرلمان، وسط اعتراف دولي به، ما يعني استحالة القبول بفكرة تعامل بغداد مع مواطني كردستان دون اعتبار لوجود حكومة أربيل، كما لا يعيق الدستور، بل يدعم، حق الإقليم في تنمية موارده الاقتصادية، طالما كانت الآلية صحيحة في ظل النظام الفيدرالي، وهو ما يفند مزاعم بغداد بشأن منحها رواتب الموظفين في كردستان مباشرة إليهم دون مرورها على خزانة حكومة الإقليم.
كما أن توقيع الاتفاقيات المعنية بتنمية الاقتصاد بات حقا لحكومة كردستان المدعوة دوما في كافة المحافل الدولية، وبحسابات وضوابط قانونية يستفيد مواطنو العراق كله من هذه الإنجازات التي تحققها حكومة مسرور بارزاني، كما استفادوا من قبل بتضحيات شعب كردستان تحت قيادة الزعيم مسعود بارزاني في مواجهة داعش، وظل الإقليم ملجأ كافة النازحين والمستضعفين، حتى إن المهجرين الفلسطينيين ذهبت بعض عائلاتهم إلى كردستان منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة.
لا يستحق أحفاد صلاح الدين الأيوبي هذه المعاملة من حكومة عربية في العراق، ولا يليق بتاريخ البلد وظروفه الحالية التفنن في تعقيد حياة مواطنيه وإفقارهم أو تجويعهم في إطار عناد سياسي يصل مرحلة الكفر أحيانا، فمن ينتظر راتبه الشهري لا دخل له غيره، لا يمكن أن نتخيل حياته بلا غذاء وكساء منذ المرة الأخيرة التي تلقى فيها راتبه خلال أبريل الماضي، فما بالك وقد سقطت من حسابات الحكومة حقه في أجر عمل عن ديسمبر الماضي، وكأنها عادة سيئة أو لنقل أساليب مرفوضة تدخل العراق في نفق مظلم.
