أخبار عاجلة

انتهازيون..!! قصة للكاتب والفنان التشكيلي “عبد الهادي شلا”

هي لا تخشى أن يراها أحد ..دلفت إلى الحانة بخطوات بطيئة.. تلازمها حالة إنكسار تمكنت منها رغم أنها تركت التظاهرة التي أفرغت فيها كل ما لديها من مشاعر الغضب . في كل إتجاه أرسلت نظراتها وسط الإضاءة الخافتة تستطلع تضاريس المكان.. طاولات متلاصقة ومقاعد متجاورة مزدحمة بالسكارى.. ضوضاء لا تقل عن تلك الصاخبة التي صنعتها حناجر المتظاهرين في الميدان الكبير. تفتش عن مقعد تلقي عليه جسدها الذي أتعبه المسير وضاع منه صوتها وسط الهتافات التي اختلطت ببعضها وسط التظاهرة الكبرى منددة بالنظام .. تترحم على الشهداء ..تطالب بإطلاق سراح المعتقلين..والقضاء على الفساد. آلاف اجتمعوا في الميدان الكبير يلوحون بأعلام صغيرة ..يحملون يافطات كتب عليها كل ما يمكن أن يصدرعن إنسان غاضب وحانق على بلاد عم فيها الفساد وضاعت الحقوق تحت سطوة القوة وانتشار كل المبيقات . كل ما في جسدها من وخز تحول إلى قطعة من صخر يابس.. من بعيد وسط العتمة رأت قرب البار مكانا خال بجوار رجل أدار ظهره للسكارى مواجها الساقي لم تتبين ملامحه. بكل جلد تماسكت .. حملت جسدها المتهالك تجره بقدمين مثقلتين حتى صلت إلى حيث المقعد المواجه للساقي .. ابتسم لها قبل أن تطلب كأسا من شراب قوي يُخدر ما بها من ألم ويوقف عقلها عن التفكير..! الرجل بجوارها يتحدث عبرالهاتف لشخص ما ينقل له صورة عن التظاهرة الضخمة مؤكدا له أنه أجرى وسطها مقابلة مع إحدى الفضائيات الخارجية راجيا صاحبه بضرورة مشاهدتها بعد ساعة من الآن .. ذكرتُ إسمك ضمن الذين كانوا في مقدمة التظاهرة ” سيدي “..!!؟ لا تنسى دعوتي لحضور الحفل الذي ستحييه الراقصة الجميلة الليلة في الشاليه؟ أثار في قلبها وعقلها غضب شديد و تملكتها رغبة وفضول بأن ترى وجه الرجل الذي يتحدث عبر الهاتف!! إحتست أول رشفة من كأسها الذي شعرت بقوة تأثيره بمجرد أن لامس شفتيها..لم تبعد عينيها عن الرجل الغامض الذي يدير لها ظهره ولا تساعدها عتمة المكان والأضواء الخافتة على أن ترى وجهه. لابد أن أتأكد من هواجسي التي تُلح بكثافة .. إنه شراب قوي ..الدوار يكاد يقتلني و يفجر رأسي.. إزداد مع الرشفة الثانية من المشروب القوي. صوت المغنية العجوز بدأ مرافقا موسيقى جنائزية و بعض ضوء سُلط على منصة خشبية من خلفها ستارة من قماش قديم وقفت عليها بفستانها الأسود اللامع نبه السكارى الذين بدأوا بهمسات بعضها ساخر من تلك الأصباغ التي لطخت بها وجهها فصارت مثل مهرج في سرك. مع الرشفة الثالثة وبحنق شديد صَرَخـَت في الرجل الجالس بجوارها .. سحبته من قميصه ليستدير وينظر إليها حيث تجلس ..التفت مذعورا ضاعف من خوفه أن لكمته بمجرد أن رأت وجهه بقبضة يدها على وجهه.. يا “جزمة” !! تدعي أنك كنت في التظاهرة ومعك سيدك العاهرالذي كنت تتحدث إليه؟ ألم تكن تتمنى لو أن الراقصة التي تواعدتم عليها أن تكون حاضرة في التظاهرة أيضا؟ قذفت في وجهه بصقة ، ارتجفت لها فرائضه وتملكه خوف كاد أن يسقط على الأرض.. توقف تماما وعجز على أن يرد ولو بكلمة واحدة تزيح الدهشة عن وجوه السكارى الذين التفتوا نحو ما يجري قرب البار و دخان سجائرهم يصنع ستارا كثيفا . لم يتبينوا ملامحها ولا ملامح الرجل.. بقوة سحبت معطفها الصيفي .. رفست الكرسي .. اتجهت نحو باب الحانة تبرطم بألفاظ وشتائم لم يفهم السكارى منها إلا كلمة..قوادين ..إنتهازيين!!! رجل ضخم تغطي وجهه نظارة سوداء و بيد قوية جذبها.. بصوت جهوري قبيح صرخ فيها..هيا إلى السيارة السوداء التي تقف هناك !!؟؟