أخبار عاجلة

الكاتبة الفلسطينية دعاء زعبي ضيفة حلقة أسماء وأسئلة:إعداد وتقديم رضوان بن شيكار

تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.

 

ضيفة حلقة الاسبوع الكاتبة الفلسطينية دعاء زعبي

 

1. كيف تعرفين نفسك للقراء في سطرين؟

 

فلسطينيّة الجذور، صوفيّة الهوى، ولدتُ مرّتين؛ يوم ولدتني أمّي في الناصرة، المدينة العربية الأكبر لفلسطينيّ ال ٤٨، ويوم زارني شيطان اسمه الكتابة وسيطر عليّ هاجسٌ أمرني بتحويل مدّخراتي الشعورية والذهنية إلى حروفٍ وألوانٍ ولوحاتٍ حلّقتُ معها بعيدًا حتّى وصلتكم.

 

2. ماذا تقرأين الآن؟ وما هو أجمل كتاب قرأته؟

 

أقرأ حاليًا رواية النفق للكاتب الأرجنتيني إرنستو ساباتو، أمّا بالنسبة لأجمل كتاب قرأته، فهناك الكثير من الكتب الجميلة التي قرأتها وقد أدهشتني وأربكتني ولازمتني طويلًا حتّى بعد أن فرغت من قراءتها. منها رواية “الطوارق” للروائي الإسباني ألبرتو فيكيروا ورواية “العطر” للكاتب الألماني باتريك زوسكيند، و رواية” the island” للكاتبة البريطانيّة ڤيكتوريا هيسلوب ورواية ” النبطي” للكاتب المصري يوسف زيدان.

 

3. متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتبين؟

 

بدأت الكتابة حين ملّت الرُّوح من صمت حروفي، واختنقتْ نفسي بالألم والشّوق والحنين لكثير من الذكريات، ولَم يكن هذا منذ زمنٍ بعيد، الأمر الذي جعلني أمسكُ بقلمي وأكتب. بعدها قرّرت أن أصدر أوّل نتاج أدبيّ لي في ال ٢٠١٧ وهو عبارة عن مجموعة نصوص نثرية وشعرية ومذكرات شخصية وخواطر بعنوان “خلاخيل”، تلاه ثاني إصداراتي وهي رواية “چوبلين بحري” والتي صدرت عام ٢٠٢١.

أمّا عن دافعي الأول للكتابة، فباعتقادي أنّني كنت أحتاج لأن أكونَ نفسي، أن أكتب نفسي على الورق، أن أدوّنَ ذكرياتي وأعيد ترتيب ذاكرتي. هذا الصوت الداخلي الذي بدأ يحثّني على التحليق والكتابة، كان دائمًا موجودًا، لكنه كان يغطّ في سباتٍ عميق، ينتظرُ اللحظة المناسبة التي يستيقظ فيها لننطلق معًا، أنا وهو، نحو هدية خبّأها لي القدر، وقد عرفتُ جيدًا كيف أصغي له ومتى. وهنا بودّي أن أقتبس ما قاله الشاعر التشيليّ المعروف بابلو نيرودا، إذ تناسب مقولته هذه حالتي الكتابية والإبداعيّة:

“أحيانا نتذكّر، ذاك الذي عاش فينا .. فنطلب منه شيئًا، ربما نطلب أن يتذكرنا، أو أن يعرف على الأقل أننا كنا هو”. هذا على ما يبدو ما حصل معي.

 

4. ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟

 

كلّ مكانٍ زرتهُ، وكلّ دربٍ سرتهُ، وكلّ مدينةٍ كان لي فيها ذكرى جميلة وأهدتني لحظات حالمة حفرت عميقًا في وجداني وأربكت قلبي، كانت هي المدينة التي سكنتني وسكنتها. ربّما كان هذا فضاءً ملموسًا… ربّما غير ملموس لكنّه كان من السطوة بحيث أنّه جعلني أحنّ إليه وأشتاق له وألجأ إليه عندما أشعر برغبةٍ شديدةٍ في الكتابة عبر التسكّع في أزقّته وطرقاته حتّى المتخيّلة. أمّا عشقي الذي لا ينتهي فهي بلاد الاغريق، اليونان، بجزرها وشواطئها وزقاقاتها، وكلّ تفصيل ساحرٍ فيها.

 

5. هل أنت راضية على إنتاجاتك وما هي أعمالك المقبلة؟

 

أنا راضية جدًّا عمّا قدّمته حتّى الآن رغم قلّة نتاجي الأدبيّ والسبب يعود إلى أنّني مارستُ الكتابة في جيل متأخّر نسبيًّا، لكنّ هذا الأمر عاد بالنّفع عليّ، فقد عرفت كيف أوظّفُ خبرتي وتجربتي ونضجي من أجل مشروعي الأدبيّ هذا، مع طموحي إلى المزيد طبعًا، وطموحي كبير، والطريق ما زالت في بدايتها.

 

6. متى ستحرقين أوراقك الإبداعية وتعتزلين الكتابة؟

 

وهل يحرق الإنسان روحه؟ وهل يهون عليه أن يمحوَ ماضيه ويهشّم حاضره ويلغي مستقبله بهكذا سهولة؟ هذه مازوخيّة من الدرجة الأولى. لن يحدث هذا أبدًا، حتّى وإن قرّرتُ أن أعتزلَ الكتابة في يومٍ من الأيام، فلن أحرقَ نفسي وتاريخي وذاكرتي. لن أفعلها.

 

7. ما هو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبته؟ وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟

 

لم أتمنّى يومًا أن أكون غير نفسي، وبالتالي فليس هناك من عملٍ تمنّيت أن أكون كاتبته لأنّه لن يكونَ من دمي ولحمي، ولن يكون طفلي الذي يشبهني، فالرّحم ليس رحمي، والبذرة غريبة عني. قناعتي بما أكتب كبيرة لأنّني أكتبُ نفسي، فكري وأحاسيسي، ومجرّد فكرةً أن أكونَ آخر أو أخرى ترعبني. لا أريد إلّا أن أكونَ نفسي. أمّا الكتابة عندي فهي حالة مجهولة المعالم، بمعنى أنّني لا أعرف متى تزورني، ولا أعلم متى تأتيني نوبة جنونها. فمشهد موجةٍ عابرة قد تثير في نفسي رغبةً شديدةً في الكتابة.. رائحة ياسمينة تخترق ذاكرتي وتبعثُ في نفسي الحنين إلى الماضي البعيد، من شأنها أن تثيرَ قلمي وتبعثُ الحياة في حروفي. أمّا طقوس الكتابة لديّ فهي ليست ثابتة. أكتب في المكان الذي يشعرني ويمنحني هذه الطاقة السحرية التي تدفعني مرغمةً إلى الإمساك بقلمي ونسج لوحاتٍ أدبيّةٍ تناسب فكري وحسّي. أحيانًا أصحو مرعوبة من النوم، لأنّ فكرةً ما زارتني وعليّ تدوينها قبل أن تعود أدراجها من حيث أتت فلا أعود أتذكّرها أبدًا. أمّا الزمان فمعظم ما كتبته كان في ساعات الفجر أو في ساعات الصباح الأولى، فيها أشعر بذهني صافيًا وتركيزي عاليًا.

 

8.هل للمبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟

 

من المفترض أن يشكّل المبدع سواء كان كاتبًا أم شاعرًا أم فنانًا مثالًا يحتذى به، فعليه ملقاة مسؤولية كبيرة من خلال مقولاته ورسائله التي يريد إيصالها عبر قلمه وأدبه وفنّه، وبالتالي فالدّور الذي يلعبه في المنظومة المجتمعيّة والاجتماعيّة التي يعيش داخلها، يجب أن يكون فاعلًا ومؤثّرًا، فالمبدعون أشخاص يمكنهم أن يحدثوا فرقًا في مجتمعهم وأن ينهضوا بهذا المجتمع نحو الأفضل من خلال خطابهم الإبداعيّ. كذلك المثقفون، والذين غالبًا ما يعانون أزمةً تتمثّل في عزلةٍ يعيشونها بعيدًا عن مجتمعهم، ويرجع ذلك إلى سوء الإرسال والتلقّي بينهم وبين الطرف الآخر ما يجعل الفجوة كبيرة بينهما، فدورهم يبدأ منذ اللحظة التي يغادرون فيها برجهم العاجي ويلتزمون بقضايا مجتمعهم حتى النهاية، مع توظيف معلوماتهم بشكلٍ صحيح وفعّال وترسيخها كمفاهيم فكرية واجتماعية تعود بالفائدة على مجتمعاتهم بطبقاتها المختلفة.

 

9. ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟

 

أنا أوظّف عزلتي من أجل حرفي، من أجل قلمي، من أجل مقولتي… فأهلًا بهذا السجن الذي منه ستنطلق حرّيتي.

 

10. شخصية في الماضي كنت ترغبين لقاءها ولماذا؟

 

وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور الذي أطلق وعده عبر مرسومٍ أصدره في الثاني من نوڤمبر عام ١٩١٧ يقضي بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وسأترك لنفسي تفاصيل اللقاء معه.

11. ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟

لا شيء. لن أغيّر شيئًا ولن أستبدل شيئًا بشيء. لأنّني أومن أنّ كلّ شيء حدث معي إنّما حدث لسبب. “وجعلنا لكلّ شيء سببا”.

 

12. ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟

 

الأشياء لا تموت إنّما تأخذ شكلًا آخر… كما المادة فإنّها لا تفنى. والفقدان هو أمرٌ نسبيّ، تتفاوت درجاته وحدّته من واحدٍ لآخر. هناك من يتعامل مع الفقدان وكأنّه نهاية العالم ونهاية الوجود. وهناك من يرى في الفقدان رغم صعوبته، شكلًا طبيعيًّا من أشكال الحياة، يتعايش معه محاولًا أن يحييه من خلال منظومة دفاعٍ يبنيها لنفسه، وبالتالي يعتاد وجوده، وفي أقصى درجات الوعي يحاول إنعاش ما فقده بالتفاؤل والأمل والعمل كلّ حسب ما يراه مناسبًا.

 

13. صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية، حدثينا عن روايتك “چوبلين بحري”. كيف كتبت وفي أي ظرف؟

 

فعلًا چوبلين بحري لم تولد من فراغ. چوبلين بحري لها أب ولها أم ولها قضية. جوبلين بحري هي قضية الوجود والكيان والآخر الذي لم يستطع إلغاء هذا الوجود.

روايتي جاءت لتصوّر واقعًا جديدًا للفتاة الفلسطينية المتعلمة المكافحة فهي نتاج لتحولّات كثيرة مرّ بها المجتمع الفلسطيني داخل اسرائيل منذ عام ١٩٤٨ وحتى يومنا هذا، وهذا ما نراه جليًّا في ملامح الشخصية الرئيسية بدءًا بأسلوب حياتها وطريقة تفكيرها، استقلاليتها، إصرارها وتحديها وهي نموذج لفتيات كثيرات بعيدًا عن النمطية والتقليدية. إذًا فإنّ واقع الشخصية الفلسطينية منذ ١٩٤٨ وحتى اليوم قد اختلف كثيرًا، مال أكثر إلى الفردية لكن دون التنازل عن الهوية القومية والوطنية.

وفي الحقيقة كان من المهم جدا لي، أن تشكّل روايتي جزأ من الذاكرة الثقافية والوجدانية للقارئ، تثري نفسه وروحه، وتلقي الضوء على جوانب واسعة من الواقع والذات الإنسانية في ضعفها وقوتها، تشتتها وتوحدها في مواجهة شرطها الوجودي، الاجتماعي، والسياسي، في إطار وعيها لذاتها وللعالم من حولها. وهذا ما جسّدته شخصية ميار البطلة الرئيسية في روايتي بصراعاتها الداخلية والخارجية، كفلسطينيّة تعيش داخل دولة اسرائيل.

هناك محاور أساسية في روايتي وهي باعتقادي محاور جوهرية تشكّل رؤيتي لهويّتي، لإنسانيّتي، للوجود وللعالم كلّه، حيث لا يمكن فصل الكاتب عن شخوصه. هذه المحاور تناولت قضايا عدّة كقضية الأنثى والغربة وقضية الاغتراب تخلّلتها أبعاد أخرى لها علاقة بالموت والانكسار الداخلي للإنسان والصراعات الداخلية للنفس البشريّة. وبالتالي فإنّ چوبلين بحري هي روايتنا الفلسطينية، لوحتنا التي طرّزناها بألوان الغربة والشّتات والدّمع، ولكن بالمقابل لوّناها بألوان التحدي والإصرار والأمل. سعيت فيها لأن تكونَ ذات أهدافٍ تنويريةٍ حضاريّة قوامها العلم والمعرفة.

 

14. هل يعيش الوطن داخل الكاتب المغترب أم يعيش هو بأحلامه داخل وطنه؟

 

نحن ككتّاب نحمل أوطاننا معنا أينما ذهبنا وأينما حللنا، كما أحلامنا، ترافقنا حيثما نذهب، تنهض معنا وتنام معنا، ننصهر بها وتنصهر بنا، حتى تبدو خرافة الحلم واقعًا لا مفرّ منه، معه نبني وطنًا شهيًّا يشبهنا، يطيبُ لنا العيش فيه حتّى وإن أمسى الوطن الحلم وطنًا بعيد المنال.

 

15. الى ماذا تحتاج المرأة في أوطاننا لتصل الى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعاتنا الذكورية بامتياز.الى دهاء وحكمة بلقيس ام الى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟

 

المرأة تحتاج لأن تكون نفسها أولا وأخيرًا. من هنا تبدأ رحلتها، ومن هنا تنطلق “حربها” بناء على الرحلة التي تحدّد هي ملامحها، دون أن تتّكئ على دهاء هذه وشجاعة تلك مع تقديري واحترامي لتجارب من ذكرت. فالتجربة الشخصية في النهاية هي التي تنتصر للمرأة ذاتها، وتحديد ملامح ماذا تريد كلّ امرأة منذ البداية، باعتقادي هي البداية الصحيحة لطريق نضالها من أجل مساواتها وحريّتها.

 

16. ما جدوى هذه الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الابداعية ليسكن الأرض؟

 

لولا هذا الواقع لما وجد الإبداع. حتّى تبدع، أنت تحتاج واقعًا تبدع من خلاله. بدون هذا الواقع لا يوجد إبداع. وإبداع متخيّل فقط هو إبداع مبتور سيبقى بعيدًا عن الناس ولا يمتّ للواقع بصلة. هذا الإبداع سيندثر ويموت مع الزمن.

 

17. كيف ترين تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟

 

بالنسبة لي أنا شخصيًا، فقد كانت تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي جيدة جدا، كشفتني على الناس وعرّفتهم بي، كما عرّفتني بهم كقرّاء ومتابعين، والأهمّ أنّها عرّفتني بكثيرين ممّن لهم علاقة بالأدب والنقد والذين ساهموا فيما بعد في دفع مسيرتي الأدبية قدمًا نحو الأمام بشكلٍ مهنيّ ومدروس.

 

18. أجمل وأسوأ ذكرى في حياتك؟

 

كلّ ولادة جديدة طرقت بابي، شكّلت بالنسبة لي ذكرى جميلة. ولادة طفل من أطفالي، ولادة فكرة أو نصّ، انتهاءً بولادة إصداراتي، جميعها ولادات أسعدتني وحملت لي فرحًا كبيرًا في لحظة ما من هذا العمر. أمّا أسوأ ذكرى فكانت وفاة والدتي بشكلٍ مفاجئ، ليلة عيدٍ، وكنت حينها في السابعة والعشرين من عمري.

 

19. كلمة أخيرة او شيء ترغبين الحديث عنه ؟

 

بدايةً بودّي أن أشكرك الأخ الكاتب والصحفي رضوان بن شيكار جزيل الشكر على هذا اللقاء الأدبيّ الذي هو بمثابة نقطة لقاء وتواصل جميل مع القراء والمتابعين لشؤون الأدب من جميع أنحاء الوطن العربي. تقديري لنشاطك الأدبيّ والاجتماعيّ هذا، والذي يسلّط الضوء على كتّابنا ومبدعينا ويكشفنا على الآخرين ويعرّف الآخرين بنا . خطوة جميلة ومباركة أرجو لها ولك كلّ التوفيق.

ثانيًا، سأنهي بمقولةٍ لي اتخذتها منذ البداية طريقًا أسيرُ فيه:

سأصحبُ الشمس معي لكلّ مكان، فالنفسُ تهوى النورَ والدّفءَ وحتّى الاحتراق.

أحترقُ كي أضيء على من يحتاجُ ضوئي هذا.

محبّتي للجميع