أخبار عاجلة

سامح مبروك يكتب: (كريسماس في حتا) من سلسلة ترندات وتوباكو

” أعزائنا المسافرين لقد هبطت الطائرة بسلام  في مطار دبي الدولي، حيث تبلغ درجة الحرارة بالخارج ٢٢ مئوية وتشير الساعة بالتوقيت المحلى إلى العاشرة مساءً، يُرجى إبقاء أحزمة المقاعد مربوطة حتى انطفاء إشارة ربط الأحزمة، ويُرجى التأكد من اصطحاب جميع أمتعتكم الشخصية قبيل المغادرة، ونتمنى لكم إقامة طيبة في دبي.”

تلك الكلمات التي أطلقها قائد الطائرة والتي طالما دغدغت مشاعري مرارًا وتكرارًا بذلك الحلم بعيد المنال، ففي كل رحلة من رحلاتي المتعددة أعبر فيها دبي يراودني ذلك الحلم بلا فرصة واحدة سانحة لتحقيقه، وها أنا ذا أختتم رحلاتي المتكررة إلى إندونيسيا محل ابتعاثي كمدرس لغة عربية في إحدى القرى النائية هناك، وجرت العادة خلال سفراتي السابقة أن أمر كمسافر ترانزيت عبر دبي، ولكن لم يكن أبدًا الوقت ولا الظروف في صالحي لكي أحظى ولو بزيارة خاطفة لتلك المدينة الساحرة.

وها قد أتت الفرصة أخيرًا على طبق من ألماس، فهذه المرة أتت رحلتي الأخيرة إلى إندونيسيا في نهاية العام، ليس مجازًا ولا تقريبًا بل كانت في يوم ٣١ ديسمبر، وأهداني القدر أربع ساعات من الترانزيت في دبي، والهدية الأجمل أن طائرتي ستصل دبي في تمام العاشرة مساءً، بينما ستقلع الطائرة المتجهة إلى إندونيسيا في الساعة الثانية من صباح اليوم التالي الأول من يناير، مما هيأ لي الفرصة لمتابعة العروض المبهرة لبداية العام في دبي، فجهزت أوراق الزيارة اللازمة وعقدت النية على قضاء تلك الليلة في دبي مركز بهجة العالم ومهد إبهاره، فقد حان الوقت للتخلص من متابعة تلك الاحتفالات من وراء التلفاز بعد أن اعتزلت منذ زمن البرامج التي تُعرض في تلك الليلة وتستضيف الراقصات وبضعة منجمين يملؤون شاشات التلفاز بالهراء.

لم تكن رحلتي القصيرة في مطار دبي من باب الطائرة إلى بوابة الخروج مبهرة فحسب بما يحمله المطار الفخم من هندسة معمارية راقية ونظام وسلاسة، بل حملت في طياتها أنباء عما قد تحمله الساعات القادمة من إبهار واستمتاع، خرجت من البوابة المخصصة للمواصلات الأرضية وسيارات الأجرة، لأجد مئات السيارات في انتظار الركاب بنظام دقيق، قادني أحد المشرفين للسيارة التي ستقلني إلى داخل دبي، وكنت أعلم مسبقًا أن الشوارع في هذه الليلة غالبًا ما تكون مزدحمة للغاية، لذا بحثت وقرأت لأعلم أن واحدة من أجمل المناطق في دبي لمشاهدة العروض هو الشاطيء (The Beach)، فقررت الذهاب إلى ولكن كان ما يقلقني هي لغتي الإنجليزية الضعيفة التي لا أظن أنها قد تسعفني.

استقبلني في سيارة الأجرة سائق ودود استشفيت من ملامحه ولكنته التي استخدمها في عبارات الترحيب المبالغ فيها أنه باكستاني، فحمدت الله أن قائد تلك الرحلة القصيرة يحمل في جعبته الحد الأدنى من مفردات اللغة العربية التي قد تساعدنا في أن تصل هذه الرحلة إلى بر الأمان، ومن خبرتي مع طلابي في أندونيسيا فأفضل طريقة للتعامل في هذه الحالة هي العربية الفصحى التي لا التباس فيها.

> السلام عليكم يا صديقي.
>> وآليكم السلام بروزر، همدولله ألا السلامة أرباب، كيفك أرباب؟
> الحمد لله بخير.
>> انت ما في سَمَان كتير؟
> ماذا تقصد يا أخي بكلمة سمان أذلك الطائر؟ 
>> لا صديق، سمان يأني شنطة، ما في شنطة؟
> لا يا صديقي، سأتابع رحلتي بعد قليل وأفضل أن تبقى معي تلك الساعات حتى أعود للمطار.

بدا عليه التململ وكأنه لم يفهم كلمة مما قلت له فقررت أن تكون كلماتي أوضح وأقصر، ذلك قبل أن يسألني:
>> وين نروح أرباب؟
> أريد أن أذهب إلى الشاطيء (The Beach) حتى أشاهد الاحتفالات والألعاب النارية.

فأخذ يفكر لبرهة، ولم أكن أعلم أيحاول يحسب المسافات في ذهنه؟ أم أنه يحاول فقط فهم ما قلته فقلت بصوت أعلى وكلمات أوضح:
> الشاطئ حتى أشاهد الألعاب النارية.
>> تماااام أرباب، إنت في مبسوط إن شاء الله، أنا سوبر درايفر، في وصل ميه ميه.

فهمت من كلماته تلك أنه فهم الوجهة المرجوة، وقبل أن يتحرك أفرط في الترحاب بي بعبارات تجمع لغات متعددة كأنها تحمل نكهات وتوابل الهند وباكستان معًا، ثم أخرج لي من درج السيارة إلى جانبه زجاجة مياه صغيرة وعلبة عصير، شكرته كثيرًا وشربت الماء والعصير، وكان الشغف يملأني لمشاهدة شوارع دبي عن قرب، خاصة شارع الشيخ زايد الذي يضاهي في جماله وناطحات السحاب به أبهى شوارع الولايات المتحدة الأمريكية.

انطلق السائق و خفتت الأضواء رويدًا رويدًا من حولنا، وتحول المنظر في الخارج إلى صحراء فأدركت أن مطار دبي ككافة المطارات يقع على أطراف المدينة، وأن السائق بالتأكيد يختار أكثر الطرق سهولة للابتعاد عن الزحام، وما هي إلا دقائق حتى داعب عيني نوم حاولت أن أقاومه، لكن سلطانه كان لا يقهر ففرد أجنحته على عقلي ورحت في غفوة وصلت حد النوم العميق.

بعد وقت لم أدركه فتحت عيني فوجدت أننا مازلنا نقطع الصحراء ونظرت في الساعة وجدتها قد عبرت نصف ساعة بعد الثانية عشر من منتصف الليل، تبًا؛ أين أنا؟ لقد فوَّت احتفالات رأس السنة! رحلتي التالية! يا إلهي، المياه! العصير! لابد أني مختطف! هذا السائق اختطفني! يال غبائي، وحظي العسر، هنا صحت في السائق.

>أين نحن؟ هل تخطفني أيها اللص؟ ماذا تريد؟ أعدني إلى المطار حالًا حتى ألحق رحتي التالية، سأكلم الشرطة.
>> أرباب! إنت ليه في زعلان؟ إحنا خلاص في وصول! هذا بورد ييجي الحين يقول في وصول.

ففهمت أنه يقصد تلك اليافطة التي سنمر من تحتها بعد قليل فنظرت لها بترقب لأرى ما هو المكتوب عليها لأجده:

مرحبًا بكم في حتا**.

** بين الجبال على حدود سلطنة عمان وعلى بعد 110 كيلومترات من دبي تنام مدينة صغيرة جميلة من مدن إمارة دبي اسمها “حتا”.

* ترندات وتوباكو هي مقالات في هيئة قصص قصيرة مستوحاة من ترندات فضاء المنصات الاجتماعية ولا تمثل أي شخصية حقيقية.