أخبار عاجلة

الكاتب “سامح مبروك ” يكتب: ترندات و توباكو ( شيماء والليالي السوداء )

شيماء والليالي السوداء

في إحدى الليالي الصيفية، جلس شهريار في حلته البهية، وكان النهار قد نال منه ما نال، في متابعة أحوال المملكة وتسيير الأعمال، وبينما كان يتقلب على جمر السهاد، دخلت عليه زوجته شهرزاد، فلما رأت مولاها شارد الذهن مشغول البال، خاطبته في الحال:
حُرمت شهرزاد دعة العيش والراحة، إن لم تعيد لمولاها بسمته الوضاحة.

فأجابها شهريار وقد انفرجت شفتاه عن ابتسامة واسعة: وكيف لها أن تتمنع وقد أقبلت نجمة سمائي اللامعة؟
فقالت شهرزاد بدلال: مولاي؛ يكفيك ما أنجزته خلال يومك من أشغال، فقد حان الوقت أن ترافق جاريتك في رحلة مجانية لأراضي الخيال.

فأجابها شهريار بشوق وحماس: أنا ملكك يا عمري من الراس للساس.
فجلست شهرزاد بين يدي ملكها، وراحت تسقيه من حلو حديثها: بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد والعمر المديد، أنه في بلاد غير بعيدة وأزمان ليست بالسعيدة، خرج شاب من السوقة والدهماء، يبكي حاله ويناجي السماء، يملأ الدنيا بالصراخ والعويل، كمن انقطع به الدرب وضل عنه السبيل، يشكو ضياع حبيبته الحسناء، فانطلق يُلقي خطبة عصماء، يا قوم، ضاعت شيماء.

وانطلق يشدو باسمها في كل شارع وحارة، دون أن يجد على مكانها أمارة، فالتف الناس من حوله مجتمعون، من يشاهد ومن يضحك ومن يحسبه مجنون، فنادى أحدهم من وسط الجموع، وتكلم بصوت مسموع، يا بني؛ اعطنا في حبيبتك أمارة، لعل فينا من رآها فيأتيك بالبشارة.

فلبى الفتى النداء، وقال إن حبيبتي شيماء، بضة رقيقة بيضاء، يغازل رأسها في شموخ عنان السماء، صوتها رخيم، قلبها رحيم، يقطر وجهها بالحياء، وتحب أن تسبح في الماء.

ثم عاد الفتى في البكاء والنحيب، والناس من حوله منقسمون على حاله العجيب، فانصرف منهم لأحواله القليل، يستنكرون على الناس انشغالهم بهذا العويل، واستمر في التفافهم حوله الكثير من البشر، بل راحوا يرددون كلامه كببغاء أشِر، ولما رأى انشغال الناس به واحد من أصحاب المراقص، قال ولما لا أستفيد من شهرته وأنا لمثله ناقص، فأقدم عليه واصطحبه إلى حانته، لعل الناس تتبعه لتقصي المزيد عن حالته، فتعج الحانة بالمشاهدين والزوار، ويكسب المال وتحظى حانته بالازدهار.

وبينما كان الناس يتابعونه بشغف، ومنهم من رسم لشيماء من الصور ما تخطى عدده الألف، صرح الفتى في أهم لقطة، أن شيماء مجرد بطة، ارتجف صاحب المرقص لما سمع الخبر، خوفًا من رد الفعل العنيف للحضور من البشر، ولكنه وجدهم يضحكون، وباسم شيماء يتغنون، فأطلق مساعديه يجمعون من الناس الدنانير، وصار الفتى المجنون من المشاهير.

وهنا بدأ الديك في الصياح، معلنًا أن الفجر قد لاح، فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح.

فنادى شهريار؛ يا مسرور، أحضر سيفك ومعه ساطور، اليوم سنعيد لهذا البيت البهجة والسرور، عليك بتلك الشهرزاد الشمطاء، جز رقبتها عبرة لكافة النساء، وآتني بهذا الديك والبطة الشيماء، فاذبحهما واجعل الطاهي يكثر من الحساء.

المصدر
جريدة الجمهورية