أخبار عاجلة

“الطرقات لا تلتقي مصادفة” قصة للكاتب العراقي ” عبد الفتاح التميمي “

في هذا الطريق سارت آلاف الأقدام, كان يجلس في مفترق طرق يشاهد أشباح أناس مروا من هنا قبل مئات السنين ويسمع وقع خطوات خافتة وأصوات بخوف هامسة. لا يدري أيظل هنا أم يحمل ثقل جسده على عصاه ويغادر دون وجهة معلومة.
كان الصباح مختلفا هذه المرة والشمس تبعث الدفء والحماسة معا في النفس فقرر حينها حمل ما وضعه من العمر إلى جانبه والتعكز على سنواته الضائعة وإتباع ذلك النور الذي أضاء فجأة .
كانت تسير لوحدها كملاك يختال فخرا , الطرقات قد خلت فلا غاد ولا رائح و كأن الطريق قد بسط من أجلها فعجل بخطاه آملا إدراكها.
أنا أعرف حالما أدركها قالت أنك وآلاف غيرك تتوق أن تلتقي خطانا.
لا أنكر هذا ولكن ما الذي يدفعك وما الذي يجبرك على التكلم بمثل هذه الخيلاء. لكن والحق يقال يجوز لك ذلك.
لا يمكنني أن أحدثك فأنا على عجالة من أمري آملة اللحاق بالقطار كي أضع فيه أمنيتي لهذا العام ليحملها معه لمدينة الأماني الضائعة فهو لا يعود إلا مرة كل عام و أحاول إدراكه كي لا يفوتني مثل الأعوام العشرة الماضية.
أهناك مدينة لأماني البشر؟ نعم, كل ما عليك فعله أن تودع أمنية وستصل حتما ويقال أن الأماني هناك تتحقق وتعيش وتكمل مسيرة حياتها
أحقا تؤمنين بمثل هذا؟ أن أكون حمقاء هذا شأني فلست مجبرا على الحماقة مثلي والآن سأذهب . أيمكن أن أراك ثانية؟ أخرجت ورقة صغيرة وكتبت فيها بسرعة وغادرت راكضة ولم تسمع أو لم تبالي حين نادى خلفها أيمكن أن تحملي أمنيتي معك؟
في اليوم الموعود وقبل الوقت المحدد بساعة كان يجلس ويرقب كل من يدخل ويخرج ممسكاً تلك الورقة الصغيرة بيده وقد تمزقت حوافها لكثرة ما داعبها بين أصابعه.
أخيرا وبعد الميعاد بدقائق ظهرت بين قوائم الباب منتصبة بقوامها الفارع ولم يتركها تبحث بعينيها كثيرا إذ لوح لها على الفور فأقبلت حالما رأته.
لا تعلم ما الذي تركته خلفي لأستطيع المجيء كما أنه ليس لدي الكثير من الوقت فأنا على عجالة شديدة من أمري.
تغاضى عن عبارتها الأخيرة رغم أنه لم يعجبه تهديدها بالرحيل وقد وصلت للتو.
ثم أكملت بعد التقاطة نفس : هلا أخبرتني ماذا نفعل هنا؟ قبل أن تجيب لا تقل لي إنك من دعاني بل رأيت ذلك في عينيك وأحببت أن أعطيك فرصة.
فرصة لماذا؟
دعني أفكر قليلا, آه عرفت فرصة لتعبر عن نفسك ولتثبت أنك هنا.
ومن أخبرك أني بحاجة لكلا الأمرين؟
خذ هذا رقم هاتفي وناولته قصاصة ورقية مكتوب فيها بخط ليس بالرديء(01001001 ) يمكنك الاتصال بي إن شئت ولا تعتبر هذا امتيازا لك فأنا أتلقى الكثير من الاتصالات بحكم عملي وكثيرا ما التقي بغرباء يدعون إعجابهم بي, لكن والأمر بيننا أني أتعامل مع هكذا دعاة بمزيد من اللامبالاة.
لماذا لا تقول شيئا؟
آه فعلا يجب علي أن أقول شيئا ولكن لا أعرف من أين أبدأ فلدينا الكثير
حسنا أنا أسمعك
الحقيقة يا آنسة أن ما أريد قوله
تناولت الهاتف الذي رن بقوة, مرحبا, أهلا بك, أهلا معالي الوزير, نعم, يشرفني ذلك وأنت تعلم أني من معجبي سياستك ولا يمكنني أن أرفض لك طلبا, حسنا سيدي سأهاتفك مرة اخرى… مع السلامة
حسنا ماذا كنا تقول؟
هل هذا وزير حقيقي ؟ نعم وكيف لا يكون وزيرا حقيقيا ويتصل بي؟
باعتقادي كلهم زائفون .
حسنا دعك من هذا, أين وصلنا ؟
آه تذكرت الحقيقة يا آنسه..
من الذي أخبرك أني آنسه؟ ولماذا يرتبط لقب آنسه فيما إذا كانت المرأة قد أسلمت كيانها لرجل من عدمه؟
ثم تفقد المرأة هذا الامتياز مع عذريتها التي افتقدتها في لحظة قد تكون هي أعظم خطيئة ارتكبتها في حياتها .
والآن لابد أن تقول شيئا فقد سئمت صمتك وكأني أكلم نفسي طيلة الوقت
هل لحقت قطار أحلامك؟
لا , سأستعد للعودة في الشتاء القادم فقد سبقني ورحل بدقائق قليلة حيث لازال أثر أقدامه لم يمحى بعد.
الحقيقة أني أردت أن أودعك أمنية لتحمليها معك, هل هي ثقيلة؟
كلا إنها أمنية سخيفة, حسنا سأحتفظ بها في درج أمنياتي الكثيرة المتكررة وإذا استطاعت العيش في ظلام النسيان سأسعد باصطحابها معي العام المقبل
أنظر في عينيك وأقرأ فيها مئات من التساؤلات المتزاحمة ولكن تأكد أني لن أجيب عن كل شيء يود الجزء الفضولي من دماغك معرفته. لكن سأعطيك نبذة عني كي يهدأ ثوران فضولك
………..هذا هو اسمي كما أن أحدهم والذي أتجاهله وأتحاشى كلماته كثيرا قد أسماني غيم .
شكرا لك ….على الإطراء الذي بداخلك وعلى الاسم الذي ترغب بإطلاقه وربما لا تريد أن أعرف ما هو.
بشكل عام أنا أستمع فقط… وأترك أثرا كبيرا حين أتكلم.
أتجنب زحام العبارات…….. لأنها تصيب مخيلتي بالإرباك
لا تعتذر مني……فليس هناك موجب ولا أستسيغ عبارات التودد رغم أني أحبها كأي أنثى .
كنت سعيدة بحديثك…. حين التقينا على عجالة.
لا تحصي علي الكلمات …..ذلك يشعرني بالعجز.
لا نعلم عنه شيء…………فكلنا نجهل الكثير بالنهاية.
فلكل امرئ ما نوى….ونوايانا قد غمرها الأسى والسوء.
البارحة حين افترقنا التقيت بك مرتين , مرة في يقظة وأخرى في منامي. إذن أنت إنسان حالم كجميع الحالمين لكن دعني أخبرك أمرا : نحن معاشر الحالمين العنصر الأكثر خيبة من النوع البشري حيث أننا لم نكن نحلم إلا حين يخيب الواقع.
مضى الوقت بطريقين مختلفين ………..