أخبار عاجلة

الكاتب ” محمود مطر ” : سعاد حسني لم تنتحر.. بل قُتلت

شهدت مصر في القرن العشرين فنانات مهمات في تاريخ الدراما والسينما، لعل أبرزهن سعاد حسني، الملقبة بـ”السندريلا”، إنها كما يصفها الكاتب سعد القرش “الحقيقة” التي أنهت فكرة أحلام اليقظة، وأسطورة “فتاة الأحلام” لدى جمهور السينما، لتصبح حلما متجسدا يمشي على قدمين، بثقة لا حدود لها. حلم تتمتع صاحبته بكاريزما أم كلثوم، وطيف ليلى مراد، وجسارة تحية كاريوكا، وانطلاق هند رستم، ودلع شادية، وإباء وطموح نادية لطفي، وجاذبية نجمات كنّ أقرب إلى الكائنات الملائكية. ولكنها ظلت مثار جدل في علاقاتها وآرائها وحتى في وفاتها التي مازالت غامضة إلى اليوم رغم مرور عشرين عاما على رحيلها. “العرب” التقت محمود مطر الكاتب الصحافي المقرب من الفنانة في سنواتها الأخيرة، ليتحدث لنا عن تفاصيل علاقته بها وأهم أسرارها.

يشكل التاريخ الفني لسندريلا السينما الفنانة سعاد حسني علامة مضيئة في تاريخ السينما المصرية والعربية، فقد تألقت منذ ظهورها على الشاشة ممثلة ومغنية وفنانة استعراضية، لتقدم مسيرة حافلة بالأعمال الثرية والمتنوعة في أفكارها ورؤاها ومعالجاتها، والتي تعد من علامات السينما المصرية والعربية، حتى اختيرت في احتفالية مئوية السينما المصرية عام 1996، لتحتل المركز الثاني ضمن استفتاء أفضل ممثلة في القرن العشرين.

كما اختار النقاد ثمانية أفلام من بطولة السندريلا في قائمة أفضل مئة فيلم مصري، من أشهر أفلامها الـ82 أفلام “الكرنك”، “القاهرة 30″، “الزوجة الثانية”، “خلي بالك من زوزو”، “شفيقة ومتولي”، “حسن ونعيمة”، “غروب وشروق”، “المشبوه”، “صغيرة على الحب”.

وكون رحيلها كان فاجعة ولغزا لم تتشكف حقائقه، فحتى الآن لم يعرف ما إذا كانت قد ماتت منتحرة أم جرى قتلها ووضع الجريمة على شماعة الانتحار، وهذا الكتاب للناقد الفني محمود مطر “سعاد حسني.. القاهرة ـ لندن.. تفاصيل السنوات الأخيرة” الصادر عن مؤسسة بتانة أخيرا، ربما يضيء جوانب ليس فقط على ما جرى ولكن ما أحاط بالسنوات الأخيرة في حياة فنانة تحظى بحب وتقدير جماهيري كبيرين. تناول مطر بالتفصيل أسرارا وكواليس كثيرة لم يكن يعرفها أحد تخص الفنانة في سنوات التسعينات بعد احتجابها عن الحياة الفنية سواء قبل سفرها إلى لندن للعلاج أو أثناء إقامتها في العاصمة البريطانية وحتى رحيلها الفاجع في الحادي والعشرين من يونيو عام 2001.

مطر كان الصحافي الوحيد الذي جمعته علاقة إنسانية بسعاد حسني في سنواتها الأخيرة وانفرد بحوار مسجل معها في عاصمة الضباب لندن، عرضت مقتطفات منه في قناة النهار المصرية عبر لقاء تحدث فيه للإعلامي محمد الباز مقدم برنامج “آخر النهار” حول الكتاب، وفي هذا الحوار يكشف مطر لـ”العرب” تفاصيل علاقته بالفنانة وأهم أسرارها وعن زوجها السيناريست ماهر عواد الذي ما زال يؤثر الابتعاد عن الإعلام ويرفض الحديث عن سعاد التي ظلت على ذمته حتى رحيلها.

المرض ورحلة العلاج

تفاصيل خاصة من حياة السندريلا

يقول مطر “استطعت أن أخترق بشكل إنساني الجدار الحاجز الذي بنته سعاد حول نفسها إثر إصابتها بمشاكل مرضية مزمنة في ظهرها، فقد كنت أعرف أنها لم تكن تريد أن تظهر للإعلام أو أن تدلي بأحاديث وحوارات صحافية، لكنها بالطبع كانت دائما تتطلع لأن تجد من يستمع إلى مأساتها المرضية دون أن يستغل ذلك في سبق صحفي. تواصلت على هاتف سعاد الأرضي لمدة تتجاوز ثلاثة أشهر بشكل مستمر وكتبت مقالا إنسانيا مؤثرا على صفحات مجلة الإذاعة والتلفزيون بعنوان ‘والله زمان يا سندريلا’ وكان ذلك في شتاء عام 1994”.

ويضيف “في كل مرة كنت أتصل بها كنت أصطدم برد وحيد معتاد من خادمتها سناء الكاشف، التي كانت تقول لي دائما “مدام سعاد مش موجودة أو أنها تعبانة ولا ترد على أحد، تكررت الاتصالات اليومية وتكررت نفس الردود، لكني لم أمل على الإطلاق واستمرت اتصالاتي الهاتفية بسعاد في شقتها بشارع يحيى إبراهيم في الزمالك، ولم تكن الهواتف المحمولة قد دخلت مصر بعد حتى جاء يوم اتصلت فيه كعادتي، فإذا بسناء الكاشف تقول لي هذه المرة: خليك معاي، مدام سعاد هاتكلمك، وكانت سعادتي كبيرة وصوت سعاد يأتيني عبر الهاتف بكل سحره وجماله وهي تقول لي بكل صدق: أشكرك على إصرارك على الحديث معي”.

ويتابع “ثم أردفت لكني لا أرغب في عمل حوارات صحافية، فأجبتها بأنني فقط أريدها أن تقرأ مقالا كتبته لها أطالبها فيه بالعودة إلى جمهورها، وأخذت مني عنوان مقر المجلة بالمهندسين لترسل لي عم مهدي حارس العمارة التي كانت تقطن بها لأعطيه نسختين من عدد المجلة، لتتواصل بعدها اتصالاتي بها، ولكن حواري الأول معها كان في أغسطس عام 1996 بمجلة الإذاعة والتلفزيون، وأجريت معها حوارا آخر لجريدة الدستور في إصدارها الأول أواخر عام 1996 ثم حوارا آخر لمجلة الإذاعة والتلفزيون في مارس عام 1998 بعد سفرها للعلاج في لندن”.

ويوضح مطر حقيقة مرض سعاد قائلا “كان عبارة عن شرخ في فقرتي العجز والقطنية أسفل الظهر، وقد سافرت إلى مرسيليا عام 1992، وأجرت جراحة لدى طبيب هناك اسمه لوي سينيه قام خلالها الطبيب الفرنسي بتثبيت شريحة معدنية ليلتئم الشرخ لكن العملية لم تنجح وكانت الشريحة تسبب آلاما رهيبة للسندريلا، فكانت تتناول جرعات عالية من الكورتيزون لتسكين هذه الآلام وذات يوم قالت لي السندريلا أشعر أن ظهري هو عدوي الوحيد في هذه الحياة”.

ويذكر مطر أن هذه الجرعات العالية من المسكنات قد أثرت على وجه سعاد، فكان يبدو منتفخا بعض الشيء وهو ما كان يؤلمها كثيرا على المستوى النفسي. مضيفا “أعرف أنها حين كانت تركب سيارتها وتسير بها أحيانا نادرة في شوارع الزمالك كانت تسمع تعليقات من بعض من يرونها مثل ‘مش دي سعاد حسني مالها تخنت ليه كدة’ أو ‘شكلها تغير ليه’، فكانت تعود إلى بيتها باكية حزينة، لذلك كان قرارها بالسفر إلى لندن للعلاج حاسما ونهائيا رغم إلحاح زوجها ماهر عواد ونصحه لها بعدم السفر”.

ويتابع مطر “سعاد كانت قد خططت للإقامة والعلاج في لندن لمدة عام واحد، لكن في إنجلترا ظهرت مشاكل صحية جديدة في الأسنان والضغط والكلى، وكلها عولجت منها السندريلا، لكن بقيت آلام ظهرها تلازمها، وإن خفت حدتها بعد أن فقدت جزءا معقولا من وزنها، وكانت قد قررت بشكل نهائي أن تعود في أغسطس أو سبتمبر عام 2001، لكن إرادة الله شاءت أن تعود في يونيو وقد فارقت الحياة”.

ويرى مطر أن السندريلا كانت لديها طاقة أمل هائلة رغم ظروفها الصحية الصعبة، وكانت تحلم وتتمنى أن تعود إلى الفن بأسرع ما يمكن، فحين سافرت إلى لندن صيف 1997 اتفقت مع زوجها ماهر عواد على أن يكتب لها مسلسلا إذاعيا بعنوان “شجرة الكباب والطحينة” تعود من خلاله للإذاعة، فلما طالت إقامتها في لندن وابتعادها عن مصر اتفقت مع رأفت الميهي على أن يكتب ويخرج لها فيلما بعنوان “تحت تهديد السلاح” لدرجة أن الميهي سافر خصيصا ليلتقي سعاد في لندن ليناقش معها تفاصيل الفيلم، لكنها كانت مشغولة ببرنامج تخسيس صارم في مصحة “شمبيونيز” ولم تلتق به.

 هذه المعطيات تشير بشكل واضح إلى أنه من المستحيل أن تكون سعاد قد فكرت في الانتحار، والاحتمال الذي يقترب من درجة التأكيد أنها قتلت لكن لغز مصرعها سيظل في علم الله، ولا يستطيع أحد أن يحدد ماذا حدث بالضبط عصر يوم الحادي والعشرين من يونيو عام 2001 حين سقطت سعاد من شرفة شقة صديقتها نادية يسري.

الزوج الكتوم

يقول مطر “زوجها السيناريست المبدع ماهر عواد حكى لي كثيرا عن أنه كان قد هاتف زوجته سعاد قبل الحادث بأيام قليلة، ولم يلاحظ أي شيء غير عادي على الإطلاق في حديثها وكان كل شيء بالنسبة إليها طبيعيا. وماهر عواد هو شخص نبيل بكل ما تعنيه الكلمة رفض عروضا بالملايين، لكي يخرج على شاشات بعض الفضائيات ويتحدث عن سعاد رغم أنه لا يعمل بالسينما منذ حوالي 16 عاما، وكان آخر عمل كتبه للسينما هو فيلم ‘رشة جريئة’ الذي قام ببطولته أشرف عبدالباقي”.

وهنا يشير الكاتب الصحافي في حديثه لـ”العرب” إلى أن ماهر كان قد تعرف على سعاد عام 1987 في كواليس فيلم “الدرجة الثالثة” الذي كتبه لها لتقوم ببطولته مع أحمد زكي من إخراج شريف عرفة، وهذا الفيلم أمره عجيب حقا، فهو فيلم تقدمي ومتجاوز لزمنه بكل المقاييس، حيث تنبأ بظاهرة الألتراس في كرة القدم من خلال تقديمه لمشجعي الكرة المحبين العاشقين لأنديتهم من خلال “حدوتة” تتحدث عن هؤلاء المشجعين من ناحية وفي مواجهتهم مسؤولو النادي ونخبة المقصورة الذين لا يهمهم النادي، ولكن تهمهم فقط مصالحهم الخاصة، وفي الفيلم إسقاطات كثيرة سياسية، ويكاد يجزم أنه تعرض إلى مؤامرة حين عرض من بعض رجال نظام مبارك وقتها.

ويكشف مطر أن “ماهر من أسرة متوسطة ابن لأب كان يعمل بقالا تموينيا وصاحب محل لتجارة المواد الغذائية، وهو من مواليد أغسطس عام 1952 وحصل على بكالوريوس الإعلام من جامعة القاهرة عام 1975 ثم حصل على بكالوريوس معهد السينما قبل أن يتجه إلى كتابة السيناريو، وكان فيلم ‘الدرجة الثالثة’ الذي أحب في كواليس تصويره سعاد هو ثاني أفلامه بعد ‘الأقزام قادمون’”.

علاقات الفن المضطربة

يشير مطر إلى أن “أحمد زكي بالنسبة إلى سعاد كان أقرب نجوم التمثيل إليها ‘كان ضرتها في الفن’ كما قالت، وقد شاركها آخر ثلاثة أعمال في حياتها مسلسل ‘هو وهي’ وفيلمي ‘الدرجة الثالثة’ و’الراعي والنساء’، وقد قال لي عم مهدي حارس العمارة التي كانت السندريلا تقيم فيها إن أحمد زكي هو الفنان الوحيد الذي سمحت له سعاد بزيارتها في فترة مرضها”. وأضاف “حين جاء أحمد أوصلته إلى شقة سعاد، وبعد الترحاب والسلام بينهما، وكانت وقتها بمفردها وأردت الانصراف أمرتني سعاد بقوة وحسم أن أجلس معهما في الصالون حتى غادر، وفسر لي عم مهدي الأمر بأن سعاد كانت شديدة الحرص على مشاعر زوجها ماهر عواد، فلم يكن يليق أن تجلس وحيدة مع رجل آخر حتى لو كان أقرب أصدقائها أحمد زكي”.

ويقول مطر “حدثتني السندريلا عن علاقتها بصديقاتها الفنانات، وكانت أقربهن إليها نادية لطفي التي كثيرا ما كانت سعاد تذهب إليها في شقتها بغاردن سيتي لتقيم لديها عدة أيام، وكانت على تواصل مستمر أيضا مع الفنانة إنعام سالوسة التي كانت قريبة جدا منها. كذلك كانت ترتبط بصداقة كبيرة من ابنة شقيقتها الكبرى مصممة الأزياء سوسن الصاوي وهي مصممة الفستان الشهير الذي ارتدته سعاد في أغنية ‘الدنيا ربيع’ في فيلم “أميرة حبي أنا”.

ويضيف “أما عن علاقتها بفاتن حمامة فلم تكن على ما يرام خاصة بعد أن علقت فاتن على فيلم تسجيلي تناول تاريخ السينما المصرية عرض في مهرجان القاهرة السينمائي عام 1996 وتجاهل تاريخ السندريلا، وترددت أقاويل عن أن فاتن حمامة هي من كانت السبب لتجاهل تاريخ سعاد، وأنها اشترطت على سعدالدين وهبة رئيس المهرجان آنذاك تجاهل سعاد لكي توافق على التعليق على الفيلم”.
وبالنسبة إلى حكاية زواج سعاد من عبدالحليم حافظ يوضح مطر “حكى لي عم مهدي الذي كان يلازم السندريلا منذ بدايتها أن سعاد تزوجت من حليم زواجا عرفيا لمدة أكثر من خمس سنوات، وأنه كان يغار عليها بشدة. وحين سألت سعاد بنفسي عن حكاية زواجها من حليم قالت لي ‘لست أقل من عبدالحليم لكي أحاول أن أتمسح فيه، وكل شوية مجدي العمروسي يطلع ينفي مسألة الزواج، يمكن خايف أطالب بميراث في نصيب عبدالحليم في صوت الفن’. قالت ذلك ساخرة متهكمة بما يعني أنها تزوجته فعليا، لكنها لا تود أن تعلن الأمر بشكل رسمي، والواضح أن سعاد وحليم تزوجا عرفيا واتفقا على أن يقوم عبدالحليم بإعلان الزواج بعد مدة معينة، لكن حليم بضغوط من بعض المقربين منه لم يف بوعده خوفا على شعبيته وسط الجنس الناعم وغضبت سعاد وانتهى كل شيء بينهما”.ويضيف “أما عن علاقتها بفاتن حمامة فلم تكن على ما يرام خاصة بعد أن علقت فاتن على فيلم تسجيلي تناول تاريخ السينما المصرية عرض في مهرجان القاهرة السينمائي عام 1996 وتجاهل تاريخ السندريلا، وترددت أقاويل عن أن فاتن حمامة هي من كانت السبب لتجاهل تاريخ سعاد، وأنها اشترطت على سعدالدين وهبة رئيس المهرجان آنذاك تجاهل سعاد لكي توافق على التعليق على الفيلم”.

الأمل الكبير

يقول مطر “بالنسبة إلى صلاح جاهين قالت لي السندريلا: كان أبي وأخي وصديقي، وقد حاول بعض الخبثاء الوقيعة بيني وبينه في كواليس تصوير حلقات ‘هو وهي’ واكتشفنا الأمر وضحكنا كثيرا. أما عن علاقتها بالزعيمين عبدالناصر والسادات فقالت سعاد بكيت من أجل عبدالناصر مرتين مرة عند تنحيه عقب نكسة يونيو 1967 ومرة حين سمعت خبر رحيله. أما السادات فالتقيته مرتين وأنا أصور فيلم ‘الناس والنيل’ ليوسف شاهين في روسيا وكان هو في زيارة هناك، ويومها قال لي ‘ازيك يا سعاد’ بلكنته المعروفة، ومرة أخرى قابلته في الإسكندرية في حضور إحسان عبدالقدوس. وقد أيدت قيامه بالسلام مع إسرائيل في وقتها. يوم ذهب السادات إلى إسرائيل أحسست أنه موقف عظيم أن يذهب الرجل إلى العدو في عقر داره، وقلت ذلك وقتها على شاشة التلفزيون لكن بعد ذلك بدأت أفكر كغيري هل كسبنا من عملية السلام وهل حجم التنازلات أقل من حجم المكاسب، أنا حتى تاريخه لم أتوصل إلى رأي قاطع”.

ويختم مطر “سعاد كانت مؤمنة ولديها طاقة أمل كبيرة برغم المرض وخططت أكثر من مرة لعمل فني بعد مرضها سواء مسلسل إذاعي أو فيلم، كما كانت تحلم دائما بالوقوف على خشبة المسرح، وقد عرض عليها سمير خفاجي أن تقوم ببطولة مسرحية في أواخر الثمانينات وذهبت وعاينت المسرح، لكن لأن آلام ظهرها كانت قد بدأت تداهمها، آنذاك طلبت من خفاجي أن تقف هي على خشبة المسرح ثلاثة أيام وأن تقوم نادية لطفي بأداء نفس شخصيتها ثلاثة أيام أخرى وهو ما رفضه خفاجي بالطبع”.

نقلا عن جريدة العرب