أخبار عاجلة

خيري حسن: الشيخ ( إمام ).. والجنرال (نابليون)!

فى ذكراه:              

 

         الشيخ ( إمام ).. والجنرال (نابليون)!

 

“مصر يا امه يا بهية

يا امُّ طرحة وجلابية

الزمن شاب/ وانتِ شابة

هو رايح وانتِ جاية”

 

(الإسكندرية – 1798)

تحت لهيب ظهيرة مزعجة حارة. وهواء وأجواء خانقة. وسماء مضطربة، وشوارع خائفة. وصيحات، وهتافات مرتبكة، وقف الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت في الأول من شهر يوليو/ تموز من ذلك العام أمام حشوده، وبوارجه، وجنوده على سواحل المدينة الهادئة في ذلك الزمان البعيد. وصرخ قائلًا: يا سادة…هل تسمعون؟ لم يرد أحد! يا سادة.. هل تعرفون؟! لم يلتفت أحد! بعد لحظات من الصمت المريب العجيب ارتفع صوته مرة أخرى قائلاً: ” إن مصر أهم بلد في الدنيا” قال ذلك ثم واصل حملته الاستعمارية التي بدأت منذ هذا اليوم – وربما قبل ذلك اليوم – وحتى خروجه – أو هروبه – سرًا بعد ثلاث سنوات عائدًا من حيث جاء.

                           •••

يا بهية…

” جايَّة فوق الصعب ماشية

فات عليكِ ليل وميَّه 

واحتمالك هُوَّ..هُوَّ

وابتسامتك هيَّ هيَّ

تضحكي للصبح يصبح

بعد ليلة ومغربية”

 

(الجيزة – 1918)

وبعد ما يقرب من (١٢٠) سنة تقريبًا ولد طفل فقير اسمه (إمام محمد أحمد عيسى)- اسم الشهرة الشيخ إمام -في قرية صغيرة وفقيرة- كحال قرى مصر في ذلك العصر -جنوب القاهرة تسمى ( أبو النمرس)- ورحل في مثل هذا اليوم 7 يونيو / حزيران 1995 -ولد الطفل إمام يعرف ويعلم- تمام المعرفة والعلم – أن مصر أهم بلد في الدنيا.. ومن أجلها عاش.. ومن أجلها غنى.. ومن أجلها بكى.. ومن أجلها اشتكى…ومن أجلها سافر…ومن أجلها (عافر) ومن أجلها سُجن ومن أجلها أعتقل…ومن أجلها – وفي حبها – مات!

                         •••

يا بهية…

” مصر يا امه يا سفينة

مهما كان البحر عاتي

فلَّاحينك/ ملَّاحينك

يزعقوا للريح يواتي

اللي ع الدفة صنايعي

واللي ع المجداف زناتي”

 

(القاهرة – 1974)

كانت الساعة قد وصلت إلى الواحدة من صباح يوم 4 سبتمبر / أيلول من ذلك العام عندما دخل الشيخ إمام إلى مكتب التحقيق متهًما بتكدير الأمن العام!

– اسمك.. وسنك.. وعنوانك؟

إمام محمد عيسى . سني 56 سنة. مقيم بشارع المعز لدين الله الفاطمي. عطفة حوش قدم. المنزل رقم (2)

– هل لك أي اتجاه سياسي؟

 نعم ليَّ!

– ما هو؟

بحب مصر !!

– (احنا هنهزر؟!) الآن انت أمام تحقيق رسمي..اتكلم..ما هو اتجاهك السياسي؟!

 “ليس إلَّا حب مصر وشعب مصر”!

– انت متهم ببث دعايات مثيرة من شأنها تكدير الأمن العام، وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، وأيضًا بالجهر والصياح والغناء لإثارة الفتن؟ فما قولك؟

” لم يحدث”..

– وبعد عدة ساعات وعشرات الأسئلة قال المحقق:

 – هل لديك أقول أخرى؟

 نعم عندي!

– اتفضل.. انطق.. قول يا سيدي؟!

رد بحزم وعزم وحسم: “ليس عندي إلَّا حب مصر.. وشعب مصر”!

                       •••

يا بهية…

” عقدتين والتالتة تابتة

تركبي الموجه العفية

توصلي بر السلامة

معجبانية وصبية….يا بهية”

 

(القاهرة – 1995)

وبعد أيام وشهور وسنين وقف فيها الشيخ إمام عيسى أمام المحققين في الفترة ما بين مرحلة الستينيات والسبعينيات مطاردًا ومتهمًا، قضاها – أي تلك السنوات – إما سجينًا يتنقل في سيارة الترحيلات وإما معتقلاً ينام خلف السجون والزنازين.. وهو في كل ذلك – وقبل كل ذلك – وبعد كل ذلك – لم يكن يعرف، ولم يكن يعلم – سوى حب مصر .فهل كان – رغم اختلاف الزمان المكان – يقف على شط الإسكندرية الجميلة في تلك الظهيرة الحارة بالقرب من نابليون جنوده هم يستمعون له وهو يهتف فيهم قائلاً: “إن مصر أهم بلد في الدنيا”؟!! وهل من أجل ذلك عشقها – أي الشيخ وليس الجنرال – كل هذا العشق، وأحبها كل هذا الحب؟ وعاش لها كل هذا العمر! وأخلص لها كل هذا الإخلاص! وصدق معها كل هذا الصدق؟!…ربما!! 

 

خيري حسن

 

• الأحداث حقيقية والسيناريو من خيال الكاتب.

 

• البورتريه: (الشيخ إمام) للفنان القدير سامي أمين.

 

• الشعر المصاحب للراحل أحمد فؤاد نجم

• المصادر:

كتاب: سنوات الغليان (الجزء الأول) محمد حسنين هيكل. الطبعة الأولى/ 1988.

كتاب: شاعر تكدير الأمن العام صلاح عيسى. الطبعة الأولى 2007

كتاب: أحمد فؤاد نجم (الأعمال الكاملة) طبعة 2012.