أخبار عاجلة

خيط حداد أسود للكاتبة والسينمائية اللبنانيّة ساميا ميخائيل

شككت الدبابيس في الرقعة الصغيرة البيضاء كما كانت تفعل، وتفقدت زمن طفولتي فيها، الأزرار والكباشات والمقص وقصة النقرات الصغيرة التي حفرها أخي حبيب على خشب الماكينة وقررت أمي أن هذا الولد مخرب، لأن جدي حبيب قرر ذلك في أحد الأيام حين استخدم أخي نفس المقص لينقر شجرة التين والجوز فوق المقهى، وجدي كان يحب أشجاره….

‎ فتحتُ جوارير الماكينة ولملمتُ الأزرار واحدا واحدا ووضعتهم في قطرميز شفاف، مسحت بعض الغبار وأخرجت الماكينة من الجوف وركبتها كما كنت أفعل وأنا أتعلم على إستخدامها…..

‎وجدت كركرا أسود مركبا في الماكينة، أدخلته يداها المتعبة في الثقوب الدقيقة للماكينة.

‎المكنة لصونيا …. الإبنة ترث أعمال الترتيق والخياطة بينما يرث الذكور المعادير والشوك وأدوات النكش والتسميد …..

‎رتقت الحزن مع الفرح والأحلام مع الواقع وأخطت جناحان لكي لا أهزم وطرت حول المنزل أولا ثم إلى أراض لا تخصني ثم استراليا ….

 

‎رحلت فكتوريا أم حبيب تاركة ورائها خيطا أسودَ معلقا بزواريب الماكينة، ربما اختارته أسودَ لنخيط فيه فتق في أحد أثواب الحداد، أو فتقا في ذاكرتنا فلا تتسرب ذاكرتها، أمس قال لي أصغر أحفادها كارلو الذي أناديه فنيانوس، كما جرت العادة بتبديل الأسماء في تقاليد بشري فلكل شخص أكثر من اسم أو لقب أو صفة، قال لي ابن أخي برهوم ونحن نقلي اللحم “يا ريت التيتا هون منشان تاكل معنا هاللحمات”، كنت أظن أن الأولاد لا يتفقدون الموتى بهذا الأسى…..

 

‎مسحت الغبار عن الماكينة، وعن ذاكرتي، وعن الإبر والميابر والخيطين، وعن يديها وهي تخيط ثوبي الأزرق الذي لم يرق لي وكان يليق بي كثيرا، كان القماش كريب جورجيت جلبته عمتي من أستراليا، كان صديقي كمال ينظر إلى هذا الفستان ويقول لي هذا اللون يليق ببشرتك الحنطية وكنت أطلب منه أن ينظر باتجاه آخر لأني لا أحتمل الغزل وأخبره أن أمي خاطته وبأن القماش هدية من عمتي تريز من أستراليا وأخرب عليه مقصده

‎غسلت الفساتين التي أخاطتها أمي رتبت كل التفاصيل بكل احترام لذكراها الطيبة بللت قماشة وبدأت بمسح الغبار حيث كانت تدوس بقدميها الصغيرتي الحجم على أسفل الماكينة