أخبار عاجلة

الجوهري يضع سياسة للترجمة للآخر بين الخطاب و تلقيه

صدرت مجلة ميريت الشهرية برئاسة الشاعر سمير درويش لعدد شهر مارس 2022م، وتحمل بين جنباتها دراسة بعنوان:”الترجمة العربية للآخر: بين سياسات إنتاج الخطاب والتلقي”، تحمل توقيع الدكتور حاتم الجوهري المشرف على المركز العلمي للترجمة بهيئة الكتاب، وأستاذ النقد الأدبي والدراسات الثقافية المنتدب بالجامعات المصرية، والذي يتبنى مشروع الترجمة عن اللغة العربية في وزارة الثقافة.
وفي هذه الدراسة يطرح الجوهري سياسة ثقافية واضحة لمشروع الترجمة عن اللغة العربية للآخر، تقوم على معيارين بشكل أساسي وهما: الوعي بمحددات إنتاج الخطاب العربي المطروح للترجمة للآخر.. وكأنه يتحدث عن خطاب جديد موجه للآخر وليس مجرد ترجمة للكلاسيكيات العربية الأدبية والفكرية.
والمعيار الثاني هو الوعي بمعايير تلقي الخطاب عند الآخر الذي يصفه حاتم الجوهري في دراسته بالتعدد، بما يفيد أن الجوهري يطرح تصورا لخطاب ثقافي مرن وأقرب للوعي الدبلوماسي ونظريات التلقي، لكن على مستوى الدول الكلي وليس على مساتوى القارئ للنصوص الأدبية، فتبدو دراسته وكانه تتحدث عن تطبيق لأهمية نظريات التلقي على المستوى الثقافي الكلي وفي العلاقات الدولية المنوط بمؤسسة الثقافة المصرية المساهمة فيها.
حيث تطرح دراسة الجوهري مقاربة جديدة لمشروع “الترجمة للآخر” عن الذات العربية، مقدمة فرضية أساسية لضبط مشروعه تقوم على أنه يجب أن يقوم على شقين متضافرين، وهما أولا أهمية إنتاج خطاب معرفي وثقافي جديد ليعبر عن الذات العربية، وفق معايير مسبوكة الحجة والتناغم المنطقي والحجاجي العام، وليس مجرد الاستناد لخطابات قديمة ومؤلفات كلاسيكية أدبية أو فكرية نمطية، وذائعة في الذهنية العربية التقليدية.
وفي الوقت نفسه في الشق الثاني؛ يجب على هذا الخطاب ضرورة مراعاة معايير التلقي ومحدداتها عند الآخر الموجه له خطاب الذات العربية، وفهم دوافع هذا الآخر (المتنوع والمتعدد) التاريخية ومحركاتها، في كل قضية يطرحها خطاب الذات العربية الموجة للترجمة للآخر، كي يقف خطاب الذات العربية على ذهنية الآخر ومنطقه، ويكون طرح الذات العربية منطقيا بالنسبة للآخر وإن خالف منطقه -كليا أو جزئيا- في مسألة ما.
أي أن الدراسة تطرح بوضوح في مشروعها للترجمة للآخر، أن نجاح هذه المشروع لا يتوقف فقط على عملية الترجمة نفسها، بقدر ما يتوقف على عملية إنتاج الخطاب وشروطه والذي سيتم ترجمته، ووفق منطق جديد للذات العربية في فهمها لموقفها من العالم يقوم على تجاوز استقطابات “المسألة الأوربية” ومتلازماتها الثقافية، التي تبنتها التيارات الفكرية والثقافية العربية يمينا ويسارا لفترة طويلة.
وتكمن الإشكالية التي تواجهها الدراسة في مراوحة مشروع الترجمة عن العربية لمكانه، وتيه النظريات الحاكمة له أو غيابها من الأصل، ما بين الاستعانة بالتراث الأدبي القديم والجديد، أو الكتابات الفكرية العامة أو بعض الكتابات ذات الصبغة الدينية، وكذلك الفصل في هذا المشروع بين إنتاج الخطاب وبين القيام بعملية الترجمة اللغوية، بما لا يحقق الهدف منها، في ضرورة مواكبة ما تتعرض لها الذات العربية في اللحظة الراهنة، من تضييق في ملفات وجودية وثقافية وسياسية متعددة.
مؤكدة الدراسة على تلك السياسة الثقافية ومساهمتها في محصلة القوة الناعمة المصرية والعربية، وأهميتها في السياسات العامة للبلدان العربية في لحظة تاريخية شديدة التدافع، لأن العديد من القرارات المعادية تُؤخذُ ضد العرب بدافع نفسي وضمير مستريح بحجة وجود صورة نمطية سلبية عن العرب، من هنا تبرز إشكالية الحاجة لتطور خطاب معرفي عربي جديد يُوجهُ للآخر من أجل دفع تلك الصورة النمطية للوراء، ومحاولة بناء صورة مغايرة واكتساب أنصار على الصعيد العالمي لوجهة النظر العربية، أو على الأقل حضور وجهة نظر عربية منطقية تعبر عن نفسها، وتعي منطلقات إنتاج خطاب الآخر المعادي وسياقاته، وتكتسب لنفسها أرضا شيئا فشيئا.