أخبار عاجلة

سامح مبروك يكتب: “راســ ـبوتين -الكاهن الفاجر-” من سلسلة ترندات وتوباكو*.

ترندات وتوباكو | راســ ـبوتين -الكاهن الفاجر-.

 

لم يكن يتخيل يومًا ذلك الفلاح الملعون، القادم من إحدى القرى النائية بسيبيريا، أن يصل لهذه المكانة ويصبح الآمر الناهي بقصر القيصر، في روسيا القيصرية.

فبعدما كان الحظ يعاند طموحات ذلك الطفل الفلاح “غرغوري يفيموفيتش” خلال طفولته المليئة بالإحباطات والنكسات مما جعل الناس يعتقدون في نحسه بل يؤمنون أنه أبن ملعون، فبعد وفاة أمه أثناء طفولته وبعدما شهد منزله يحترق أمام عينيه، ثم أخوته الستة يتساقطون واحدًا تلو الآخر في القبور، وكان آخرهم أقربهم سنًا له حينما مات بين يديه أثناء نزهة إلى جوار النهر فجرفتهما المياه، فمات أخوه وراح غرغوري في غيبوبة عاد بعدها أقوى.

نعم أقوى بكل ما تحويه الكلمة من معنى، فقد زعم أنه بفضل هذه الغيبوبة أصبح يمتلك قوى خارقة، من التنبؤ بالمستقبل وشفاء المرضى بمجرد لمسهم، وانتشرت تلك المزاعم انتشار النار في الهشيم، حتى ذاع صيت الشاب في قريته، ولكن هذا لم يكبح جماح شغفه بالنساء والخمر، وعلى الرغم من محاولة أبيه إلحاقه بالكنيسة في بادئ الأمر إلا أن شهواته غلبته، فأطلق عليه الناس “راسبوتين” ومعناها الفاجر أو الفاسق بالروسية، وذلك لمجاهرته بالرذيلة.

تزوج الشاب في مستقبل حياته وأنجب ثلاثة أطفال من زوجته وطفل رابع من امرأة أخرى ولكن هذا لم يكن كافيًا لكبح جماح مغامراته وتطلعاته، فتعلم فنون التنويم المغناطيسي وقرر الهرب من قريته والذهاب إلى العاصمة الروسية القيصرية، مخلفًا من وراءه أبنائه وزوجته والعديد من التكهنات والاتهامات التي طالت سمعته ومنها أنه هرب لضلوعه في عمليات سرقة.

وبعد رحلة طويلة شهدت الكثير من الغموض والعديد المعجزات، ولكن تظل معجزته الكبرى التي فتحت له أبواب قصر القيصر ومن بعدها أبواب الشهرة والسلطة والمال، كانت شفاؤه لأبن القيصر المصاب بمرض سيلان الدم باستخدام خبرته في فنون التنويم المغناطيسي، وهذا مما جعله الكاهن الأقرب لزوجة القيصر بل المتحكم الفعلي في مفاصل الإمبراطورية الروسية الكبرى، فبإشارة منه تقال الحكومات وتحل المجالس وتدق طبول الحرب وتخمد نيران حروب أخرى.

وبالطبع هذا لم يعجب الكثير من أقارب القيصر الطامعين في الحكم والمتطلعين إلى خلافته، فخلقت سلطته المطلقة تلك الكثير من الكارهين والأعداء الذين حاولوا جاهدين القضاء على غرغوري راسبوتين الكاهن الفاسق، ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل أمام سطوة وقوة ابن الشيطان كما كان يحلو لهم أن يدعونه.

ها هو الآن أمام نزوة جديدة من نزوات مجونه، فأخيرًا استجابت الجميلة الرقيقة إيرينا، لنداءاته وتلميحاته وتقربه المتصل، ودعته لحفلة عشاء خاص في مخدعها، فأبدًا لم تُخمد الكنيسة، ولا السلطة، ولا الشهرة ولا المال شهوته الجنسية المتقدة.

ولكنه فوجئ بزوجها الأمير فيليكس يوسوبوف، ابن عم القيصر نيقولا الثاني، في استقباله وقد أعد له وليمة من الحلوى والخمور، فما كان من راسبوتين أمام حفاوة استقبال الأمير إلا أن انخرط في الأجواء ونال ما نالت يداه من الخمور والحلوى وتركه الأمير فيليكس بحجة دعوة الأميرة أيرينا لتنضم إليهما، ولم يكن يعلم راسبوتين أن هذه الحلوى وتلك الخمور قد دُس بها سم السيانيد القاتل.

خرج الأمير فيليكس الموتور من راسبوتين وعلى غرار الكثير من أقرباء القيصر وكان قد أعد له هذا الفخ مسبقًا للتخلص منه بالتعاون مع عدة شركاء، بعدما لاحظ تودده لزوجته، خرج الأمير فيليكس وهو يمني النفس أن يرجع فيجد راسبوتين جثة هامة بفعل السم، ولكن هذا لم يحدث، فهو لم يكن يعلم أن راسبوتين قد اعتاد على تناول كميات صغيرة من هذا السم لتكوين مناعة ساعدته الآن على مقاومة كمية السم المدسوسة من قبل الأمير.

فلما عاد الأمير وشركاؤه في المؤامرة للغرفة ووجدوا راسبوتين ما زال على قيد الحياة فسارعو بإطلاق النار على صدره وقلبه، ولكن الأخير لم يقع أرضًا مما شككهم في أنه قد يكون قابل للقتل من الأساس، فهجموا عليه وحملوه وألقوه في نهر جليدي.

وبعدها بأيام أعلنت الشرطة الروسية نهاية أسطورة غرغوري راسبوتين الكاهن الفاسق بمقتله نتيجة امتلاء رئتيه بماء النهر الجليدي وليس بسبب الرصاص أو السم.

 

* ترندات وتوباكو هي مقالات في هيئة قصص قصيرة مستوحاة من ترندات فضاء المنصات الاجتماعية ولا تمثل أي شخصيات أو أحداث حقيقية.