أخبار عاجلة

يوم كان ظرفنا مليان قراءة في “خربة الشيخ أحمد” بقلم الشاعر والكاتب السوري “محمد مصطفى حسين”

يوم كان ظرفنا مليان
قراءة في “خربة الشيخ أحمد” للكاتب عيسى الشيخ حسن
بقلم: محمد مصطفى حسين

في الظلال البعيدة لخربة الشيخ أحمد، نلمح وجع الفقد والحنين إلى هذا الظرف، الذي كان يفيض بالحب بمعناه الذي يفتح أكفّه للجميع، الظرف الذي كاد أن يجف ما فيه.
يحيل العنوان على جاذبية المكان وامتداده، وهو يحتضن أزمنه كثيرة في الظرف الذي كان “مليان” ببراءة النظرة إلى الإنسان والعالم، والمكان رمز لهذا الاحتضان الحاني والدافئ لإنسان، ولحكايات عيسى إشراقة في عالم البراءة والدهشة والموقف من الحدث الذي صاغه عيسى بلغة شاعرة وشخصيات ممتلئة بالبساطة والفطرة التي هي أقرب للسماء.
وشدني كثيرا هذا الكم الهائل من المفردات التي تختزنها مخيلة عيسى بحِرفِيتها وأناقتها وبذخها. وأحسب أن هذه المفردات بحد ذاتها تحتاج إلى الوقوف والدراسة، وأظنّ أن التوجه للمكان هو بشكل من الأشكال استرداد لعودتنا من غربتنا الإبداعية التي تشعّبت كثيرا في إطارات كادت أن تبعدنا عن هويتنا.
.
فالمكان “الخربة” لدى عيسى هو صرخة تدلنا على ظروف وظروف كانت ملأى وقلوب مضمخة بالحنو والحنين، هي “خربة” ولكن تحتها كنز كما يقول الرومي إذا أردت أن تبحث عن الكنوز فابحث في الخرائب.
والتوجه الخرائب يعني استخراج الكنوز بالطبع، وبالطبع يرمي الرومي إلى أن خربة الإنسان “الجسد” هو استخراج لدفائن الروح. إنّ خربة عيسى هي دعوة للعودة إلى الذات واستبطان البريق الذي مازجه كثير من الغبار.
إن عيسى بحدّ ذاته هو “خربة” متنقلة كما عرفته يحتضن الكلّ ويحنو على الكل ويفيض على الكل، وظرفه مازال مليان حبا لمن يحيط به. لكل أمة من الأمم حكاياتها وأساطيرها أحيانا، والحكاية هي موروث جمعي، وعرف سائد في باديتنا التي ما زالت الأعراف القبلية هي السائدة فيها.
امتلك عيسى الأدوات الفنية بامتياز لإيصال ما يريد إيصاله، وقد أتعبتني قراءتها مرسلة عبر الهاتف ننتظر من عيسى المزيد لأنه فتح بابا لم يكد يفتحه أحد من قبله في الجزيرة السورية.
كاد يجف ما فيه ويصمت ويتأمل العابرين الذين كان يحتضنهم في شوق، الأيام خاليات فالظرف بعد مكاني والخربة بعد مكاني وشخوص الخربة زمانية عبرت عن مواقفها من المحيط الإنساني متجذرة في موروث أصيل. فيعمد عيسى إلى تأصيل هذا التراث الشفهي الذي عانى من الإهمال على شط فراتنا الحبيب.
وقد أعجبتني قدرة الشخصيات على “التصوير بالعبارة” وهي مزيج من الحكمة والجمال، ثوب الحكمة المنسوج بجمال خالص. تختزل خلاصات تجارب قديمة، في موروث لغوي قديم، فكأنها وسائد تطفو عليها.
**
وفي الختام أتمنى على الكاتب أن يكون هذا مشروعه. فهذا المكان: “الخربة” جزء من الكون هو مكان في العالم، فأتى الكاتب وفتح لنا هذا الأفق على أزمنة كثيرة، الزمن الذي يتجول ضمن هذا المكان: زمن نفسي، زمن خبرات الناس، وعلاقاتهم بالآخرين، وشخوص هؤلاء الناس يعبرون هذا المكان. لقد تحول هذا المكان إلى جلسة مفتوحة على العالم، تراقب الحركة الاجتماعية والحركة الإنسانية بكل أبعادها، وحولت هذه النقطة الصغيرة إلى كائن حي.