أخبار عاجلة

“سامح مبروك” يكتب: ترندات وتوباكو (السيد مِنج مدمن نجاح)

جلس “شاو لي منج” على عرشه العتيد، الذي بناه لبنة فوق لبنة عبر رحلة من الكفاح المجيد، جلس بعد عناء يوم شاق لينفض عن كتفيه القليل من إرهاق هذا اليوم ببعض الراحة، ولكنه لا يدري كيف تفتح هذه الحالة النوافذ على الماضي.

وكانت تلك النوافذ في هذه المرة عابرة للأزمان والأماكن، فسافرت به عبر رحلة كفاحه الطويلة، فشخصت أمام عينيه لحظات وأحداث كانت الأيام قد طوت صفحتها، فها هو يرى نفسه بعد أن أتم دراسته في المدرسة الثانوية، يلاقي الرفض من جامعة تلو الأخرى ولم يحظى ولو بفرصة لإثبات جدارته بمنحة دراسية من هنا أو هناك.

ثم رأى نفسه في بدايات مشواره يصارع اليأس والفشل، ويخطو خطوة جديدة مصحوبة بحلم جديد بعيد المنال، فحينما تبين له أن مواهبه وقدراته المتعددة قد استهان بها أهل بلده، فسطع الحلم الأمريكي في خياله، وراح يتخيل نفسه يبني إمبراطوريته الاقتصادية الخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، مركز الاستثمار ونبوغ المواهب الدفينة على شاكلته، فجهز أوراق الهجرة وأجرى أولى مقابلاته في السفارة الأمريكية وكانت الأحلام تكبر وتقترب، ولكنها تحطمت من جديد على صخور الرفض، فرفض الاستسلام وصارع من أجل حلمه من جديد، وقدم ثانية على طلب الهجرة فرُفض، فتبعتها الثالثة حتى وصلت محاولاته ومقابلاته ما يفوق الخمسين مرة على مدار سنين دون أية مبالغة، حتى أنه صار نارًا على علم في السفارة ومحيطها، وكان الرفض المتكرر هو الصخرة التي تحطمت عليها موجات هذا الحلم بالكلية.

وما إن خفت نور الحلم الأمريكي حتى سطع نور الحلم الكندي، فما من شاب إلا وداعبته أحلام الهجرة والبداية الجديدة والزواج من أجنبية جميلة شابة كانت أو مسنة، المهم أنها تختلف عن بني جلدته في الشكل واللون والطباع، وربما تيسر له فرصة لكسب بعض؛ بل الكثير من المال، ونحو السفارة الكندية شد الرحال، وما إن دخلها أول مرة إلا وخرج منها خال الوفاض ككل مرة، وكما عهدناه السيد منج عنيد يملك إصرار من حديد، تكررت محاولاته في السفارة الكندية حتى وصلت من المرات الثلاثين، وكانت النتيجة تماما كتجربته السابقة فخرج منها صفر اليدين.

هنا أدرك الرجل أنه لا يبحث في المكان الصحيح، وإن ضن أهل الغرب عليه فبالتأكيد بلده به أولى، فجلس يراجع نفسه وخططه، فبعد أن وصل من العمر الثلاثين، وكانت من محصلته من حياته فشل يضاف إلى آخر، قرر أن يغير مساره ويحوله، فهداه فكره إلى العسكرية، ولم لا؟ وهو ما زال شابًا فتيًا، سيجد في العسكرية غايته بالتأكيد وستجد فيه العسكرية النجاح الأكيد.

حزم أمتعته وراح يطرق الأبواب، أكاديمية الشرطة، المدرسة الحربية، مدرسة الطيران، المدرسة البحرية، باب تلو الآخر، وكانت النتيجة في النهاية واحدة، لا تختلف عن سابقتها.

من جديد قاوم السيد منج اليأس وانتصر عليه، وقال في نفسه بعد تفكير عميق، حقًا لا يحك ظهرك إلا ظفرك، فعليك بنفسك يا منج، وإن تخلت عنك البشرية جمعاء، فأنت قادر على أن تبني نفسك بنفسك، وهاكم الناس يبدأون مشاريعهم من الصفر وينجحون بأيديهم، فأتت له فكرة عبقرية، وكانت في هذا الوقت شركات التسويق الإلكتروني في بداياتها، فقرر أن يغزو هذا المجال بفكر جديد، ولكن المال كان العائق الوحيد.

فذهب إلى أحد البنوك، بحثًا عن قرض يعينه على بداية حلمه الوليد، ولم تبخل عليه الحياة هذه المرة، فنال قرضًا يكفي بداية مشروعه بل يفيض، فحجز مقرا لشركته التي كانت مكتبًا صغيرا في البداية وأسس منذ ذلك اليوم إمبراطوريته التي طالما حلم بها.

وبعد ست سنين من العمل والكد والسهر ها هو شاو لي منج يجلس في أعلى مكان بين أقرانه، مكان لا يناله إلا من قضى أكثر من نصف عقوبته في هذا السجن الحصين، بعد أن تعثر عن سداد قرضه بعدما فشلت شركته وأثقلتها الديون وحكم عليه بالسجن لتخلفه عن سداد القرض.

ها هو السيد منج وأيامه في السجن صارت معدودة، ترى هل سيستسلم لليأس بعد خروجه من السجن؟

بالقطع لا، فاليأس خيانة للنفس.

* ترندات وتوباكو هي مقالات في هيئة قصص قصيرة مستوحاة من ترندات فضاء المنصات الاجتماعية ولا تمثل أي شخصية حقيقية.

المصدر
الجمهورية