أخبار عاجلة

من الذي يستحق الجائزة ؟ بقلم الشاعر ” أحمد الشهاوي “

ما الجائزة ؟
لغويا هي ” الْمُكَافَأَةُ وَالجَزَاءُ عَلَى عَمَلٍ مُمْتَازٍ أَوْ فَوْزٍ فِي مُسَابَقَةٍ ما ” ، لكن هل تُمنح أو تُعطى ( والجائزة لغويًّا – أيضًا – هي العَطِيَّةُ ) في بلداننا لمن يستحق ؟
مئات من الكُتَّاب والشعراء والنقَّاد والمفكِّرين كانوا جديرين باستحقاق الجوائز الأدبية في بلدانهم ، أو في الجوائز العربية التي تُمنح للعرب كافة ، وتجاوزتهم الجوائز لأسباب ليس من بينها جودة العمل أو الأعمال المُقدمة للتسابق ، ومئات آخرون نالوا جوائز لا يستحقونها ، وذلك لأسباب إخوانية أو إقليمية ، بعيدًا عن تقويم المنتج وصاحبه .

وكنت في الأسبوع الأول من أكتوبر 2018 ميلادية ضيفًا على جائزة الملك فيصل في مدينة الرياض بدعوة من الكاتب والأكاديمي الدكتور عبد العزيز السبيل أمين عام الجائزة مشاركًا في ” منتدى الجوائز العربية ” ، وخرجتُ من سفرتي هذه ببعض الملاحظات حول حال وواقع الجوائز ولجانها في بلداننا العربية ، وأظن أن هذا ما قصده الدكتور السبيل من دعوة عدد من المسؤولين عن الجوائز، وعدد من الحاصلين عليها ، ليكون النقاش حُرًّا ومفتوحًا دون مواربةٍ أو مواراةٍ حول الجوائز العربية .

لابد أن نتفق على أن الجائزة هي منحةٌ أدبية ومعنوية وتكريمية قبل أن تكون دعمًا ماليًّا للمجتهد والمختلف والخلاق والمُميَّز بين أقرانه في مجاله ، وقد أضاف ، وأسهم ، وأتى بجديدٍ في كتابته ؛ ولذا استحق الجائزة ، وإن حدث عكس ذلك فستسقط المصداقية عن الجائزة ، وعن أعضاء لجنة التحكيم ، حيث غابت النزاهة ، واسودت الشفافية ، ولن يعود لهم رأي أو كلمة مسموعة بين أهل الكتابة ، ومن ثم تضعف الجائزة سنةً بعد سنةٍ إلى أن تموت ، حتى لو استمرت في وجودها ، ولكنه استمرار الميت الحي .

والجائزة ليست تخصُّ الفائز بها فقط ، ولكنَّها مؤشرٌ على حال الكتابة والكِتاب وعملية النشر ، ومسار ومصير الإبداع وفنونه المختلفة ، ومدارسه واتجاهاته المتنوعة ، فالجائزة – أية جائزة – تكرِّس تجارب جمالية ، وتصنع تيارًا فنيًّا ، وتحفر مجرى مهما في نهر الكتابة الدافق ، وتبني أفقًا رحبًا ، وتوسِّع الاختيار ، وتكشف الجديد الذي كان مخبُوءًا أو مسكوتًا عنه ، بمنأى عن الحزبية والأيديولوجيات .

أما الجائزة – أية جائزة – إذا نأت عن معيار الجودة ، وفضيلة التعدُّد والتنوُّع ، والضبط العلمي الذي يحتكم إلى الموضوعية والتجرُّد بعيدًا عن اسم المُرشَّح أو اسم دولته ، فلا معنى للجائزة ، وهناك أسماء فازت بيننا ، لم تستطع الجائزة أن ترفع أسماءهم أو تحرِّك كتبهم في البيع والنقد ؛ لأنها من الأساس نالتها عن غير استحقاقٍ أو جدارة . إذْ لا معنى لفائزٍ سيتم تكريمه والاحتفاء والاحتفال به بمنحه الجائزة ، والجميع يعلم أنه غير جديرٍ بها ، وقد مُنحت له ؛ لأنه صديق رئيس اللجنة أو ” بلديات ” أحد أعضائها ، أو لأن الدورة السابقة مُنحت لدولة ” ميم ” ، وينبغي أن تُمنح في الدورة الحالية لدولة ” لام ” ، وللأسف هذا هو النظام المتَّبع في أغلب الجوائز ، ولا نستثني إلا القليل منها ، التي تتشدَّد إن لم ترسِّخ تقاليد ما في الأوساط الثقافية والأدبية ، فوجودها عدمٌ ، وعليها أن تتوقف أو تُغيِّر نظامها ولوائحها ، وأن تستعين بمحكِّمين لهم هيبتهم وأسماؤهم وتجاربهم . فلا معنى أن أستقدم ناقدًا عربيًّا ليحكم في جائزة شعرية ، وهو متوقفٌ عن قراءة الشعر منذ عشرين أو ثلاثين سنة ، وغير متابعٍ – من الأساس – للحركة الشعرية العربية .

وأي أسلوب آخر غير الموضوعية ، هو تكريس للتخلُّف والتقليدية والتكلُّس والأحادية ، ومُعاداة للحداثة والتطور والتقدُّم والتنوُّع والتغيير والابتكار والخلق ، ولن يكون هناك تفاعلٌ حقيقي بين أهل الكتابة والكتاب واسم الجائزة .

الجائز دافع للكاتب ودفاع عن الكتاب ، هي سبيل للاجتهاد والمجاوزة ، ومن يقفل باب الاجتهاد لا يستحق أن يحكم ، بل لا يستحق أن يعيش .
وللحديث صلة .

أحـمـد الـشـَّهـاوي
[email protected]