أخبار عاجلة

الكاتب ” خيري حسن ” يكتب : الموت والحياة [2] مصطفى القشاشى..(باع) أرضه من أجل الصحافة.. ومات فقيراً فى حجرة بواب!

الموت والحياة [2] مصطفى القشاشى..(باع) أرضه من أجل الصحافة..
ومات فقيراً فى حجرة بواب!
•••
” عجبي عليك يا زمن
بترسي ناس ع البر
وناس غلابه رزقهم
من خرم أبرة يٌمر
عايشين كده فى المحن
ولا شافوا لحظة تسر”

(الجيزة – 1965)
فى منتصف شارع الهرم توجد عمارة متعددة الطوابق، عُرفت باسم صاحبها( عمارة القشاشى بك) هى الآن ليست عمارة البيه بعدما باعها منذ سنوات. هى عمارة (البيه البواب) الذى اشتراها شقة وراء الأخرى حتى امتلكها كلها! واليوم لم يجد مصطفى القشاشى- فى خريف عمره الذى اقترب من ال 85 سنة – مسكناً يعيش فيه، وحيطان تأويه، فعاد إلى( البيه البواب) يطلب منه السماح بالعيش فى حجرة البواب حيث لم يعد له مكان ينام فيه! وبالفعل وافق المالك الجديد، ليعيش الرجل باقى أيام حياته فى تلك الحجرة حتى رحل فى منتصف شهر ديسمبر/ كانون أول – عام 1965 وحيداً، فقيراً، حزيناَ على (الدنيا التى كانت) – والمسمى للكاتب الراحل محمود عوض – والعمر الذى..كان!
•••
( قصر عابدين ـ 1954 )
كانت الساعة قد اقتربت من الخامسة عصر يوم 13 إبريل/ نيسان – من ذلك العام، عندما انقضى اجتماع عاجل لمجلس قيادة الثورة خرج منه الصاغ( رائد) صلاح سالم ( وزير الإرشاد القومى حينذاك) متوجهاً على الفور بخطابه ـ تستطيع أن تسميه الخطاب المؤسس لما حدث للصحافة المصرية فيما بعد يوليو/ تموز – 1952 ـ بخطابه الغريب، والعجيب، والحاد، والغاضب إلى السادة الحضور من الصحفيين قائلاً:” لكِ يوم.. يا صاحبة الجلالة”! وعندما تجرأ شاب صحفى وسأله: “ولماذا يا أفندم تتوعد الصحافة، وتُطلق ضدها هذا الاتهام والتهديد؟ رد قائلاً:” يُهمنى أن أعلن لكم أن مجلس قيادة الثورة قد عثر على وثائق ومستندات تثبت أن نقيب الصحفيين ـ كان وقتها حسين أبو الفتح ـ شقيق محمود أبو الفتح ـ تقاضى 2000 جنيه من المصروفات السرية أيام الحكومات الحزبية قبل الثورة. وإن السكرتير العام ـ كان وقتها مصطفى القشاشى ـ تقاضى هو الآخر 5 الآف جنيه”! هنا ـ وفى هذه اللحظة ـ تقدم الصحفى مرة أخرى وسأله:” وما طبيعة هذه الوثائق والمستندات؟ رد صلاح سالم وهو يستعد لمغادرة المكان مسرعاً حتى يلحق باجتماع آخر للمجلس قائلاً:” إنها ايصالات وقع كل منهما بخط يده عليها وبإمضائه بتسلم هذه المبالغ”! الصحفى الشاب وقف فى دهشة! ثم وجه عدة أسئلة لزميل صحفى يقف بجواره قائلاً:” كيف يتسق هذا الاتهام مع العقل والمنطق.. فلو كان الأمر كذلك ( رشوة يعنى) فكيف لمرتشى أن يسجلها، ويوقع عليها بخط يده فى أوراق/ وايصالات رسمية كما يقول الصاغ! ثم كيف يتهم النقيب فى مبلغ 2000 جنيه ويتهم السكرتير فى 5000 جنيه ولو كان ذلك كذلك لحدث العكس.. بالإضافة إلى كل هذا فنحن ـ جيل الصحفيين الشبان ـ نسمع ونعرف عن مصطفى القشاشى إنه رجل شريف، ونزيه، وعصامى، ووطنى مخلص، يدفع من جيبه الخاص للنقابة ولا يسترزق منها حتى أن مئات الصحفيين كانوا قد تقدموا بطلب للجمعية العمومية – من شدة حبهم وثقتهم فيه – يطلبون انتخابه سكرتيراً عاماً للنقابة مدى الحياة.
•••
“رسينى يا حببتى
أنا بالى مش طويل
فى البحر انتى سفنتى
ع البر انتى الدليل”

( القاهرة ـ 2013 )
فى صحيفة الأهرام ( ملحق الجمعة) الصادر يوم 5 أبريل/ نيسان – من ذلك العام، كتب رسام الكاريكاتير الراحل طوغان مقالاً جاء فيه:” فى إحدى جلسات مجلس النقابة قرروا إيقاف صرف المساعدات والاعانات لعدد من الصحفيين الذين قد تقدموا بطلبات للحصول عليها. ورفض المجلس طلبهم متعللاً بأن حالتهم لا تستحق المساعدة. وعندما انتهت الجلسة وجاءوا يسألوه، أبلغهم القشاشي بأن المجلس وافق ولكن أمين الصندوق غائباً اليوم، وانه سيعطيهم من جيبه الخاص وسوف يصرف هو من أمين الصندوق فيما بعد! وعندما حدثه أعضاء المجلس فى الجلسة التالية عن هذا الأمر. قال:” صرفت لهم من جيبي لأرفع عنكم – وعنهم – الحرج، وسوف استمر فى الصرف إذ لم تستجيبوا لهم” ولقد استجاب المجلس بعد ذلك!
***
” يا من يعيدنا إلى بلادنا
بلادنا العميقة الخضرة
نبكى، ولو مرة
من قلبنا”

(وسط القاهرة ـ مقهى اللونا بارك)
على هذه المقهى يجلس كل مساء الصحفى مصطفى القشاشى حيث يلتقى دائماً مع أهل الفن مثل محمد كريم وأحمد بدرخان وجليل البندارى ونيازى مصطفى وحسن الإمام وغيرهم .
ـ فنجان قهوه يا عبده ( وعبده هذا قهوجى متوسط العمر كان معجباً دائماً بمشوار ورحلة كفاح مصطفى القشاشى التى بدأت من ( بير السلم) حيث بدأ عاملاً فى مطبعة يصف الحروف ولا يعرف القراءة والكتابة، لكنه بتعبه، وتصميمه، وصبره، وكفاحه أصبح صاحب عمارة فى شارع الهرم وعزبة مساحتها 13 فداناً ( فى قول آخر 30 فداناً) ومجلة أسبوعية اسمها (الصباح) ومن قبلها صحيفة يومية اسمها (أبو الهول) صدرت عام 1918 إبان الحرب العالمية الأولى متحدياً بها قرار إسماعيل صدقى باشا – كوزير للداخلية – الذى أوقف صدور الصحف اليومية حينذاك)
ـ “القهوة المظبوطة يا مصطفى بك”..ثم أردف القهوجى قائلاً:” أنا شفت صورتك فى العدد الأخير من مجلة الفن مع الفنانة الجميلة أمينة رزق ومن أجلك احتفظت بالمجلة فى بيتى”!
ـ ابتسم مصطفى القشاشي قائلاً:” يا راجل عيب عليك.. قول الحقيقة.. قول إنك تحتفظ بها من أجل نجمتك المفضلة أمينة رزق” قالها وهو يبتسم فيما غادر القهوجى المكان مسرعاً ليلبى طلبات الزبائن. فى نفس اللحظة جاء المخرج حلمى رفله والكاتب جليل البندارى والمخرج أحمد بدرخان ومن بعدهما جاء الصحفى الشاب الذى رفض العودة لمنزله قبل إبلاغ مصطفى القشاشى بما أدلى به الصاغ صلاح سالم للصحفيين ـ قبل قليل ـ فى بهو قصر عابدين!
***
“أنا، والثورة العربية
نبحث عن عمل،
فى شوارع باريس
نبحث عن غرفة،
نتسكع فى شمس أبريل”

(المقهى ـ بعد 10 دقائق)
“أنا مرتشى يا بندارى؟ أنا أخذت 5000 جنيه مصاريف سرية يا بدرخان”؟! أنا فاسد ـ كما يقول الصاغ ـ يا رفله”؟ هكذا بدأ يسأل مصطفى القشاشي الحضور من الأصدقاء، ويهزى بكلمات هامسة، وغاضبة بينه وبين نفسه، وهو يتألم من قسوة، وتطاول، كل هذه الاتهامات والتشويه الذى طاله وطاله غيره من شرفاء الصحفيين- حسب قوله – وقتها! بعد فترة صمت خيمت على الجميع قال الصحفى الشاب:” يا أستاذ مصطفى هذه ادعاءات باطلة سببها رغبة السلطة الحاكمة فى تشويه الصحافة بعدما ساندت الفريق الذى كان يطالب بالديمقراطية فى ظل الصراع على السلطة بين محمد نجيب وعبد الناصر فى أزمة مارس 1954 والتى بسببها اتسع سوء الظن بين الصحفيين وبين أعضاء مجلس القيادة بصورة غير مسبوقة” ثم استدرك الصحفى الشاب. قائلاً: “والذي قيل اليوم من اتهامات وأباطيل فى أغلبها كانت له مقدمات واضحة، وكاشفة، فمنذ أيام نشرت مجلة آخر ساعة المملوكة للأخوين مصطفى وعلى أمين( بعد ذلك انقلب السحر على الساحر واُعتقل مصطفى أمين بتهمة التخابر لصالح دولة معادية) مقالاً كتبه محمد حسنين هيكل يطالب فيها نقابة الصحفيين بتطهير نفسها، والكشف عن المصروفات السرية للصحفيين وهذا المقال كان مقدمة لهجوم صلاح سالم اليوم على نقابة الصحفيين! هز القشاشي رأسه قائلاً: “نعم… قرأت هذا المقال، ولكن هذا الهجوم سببه أيضاً ما قرره مجلس النقابة منذ أيام بتوجيه الدعوة للصحفيين العرب لإقامة مؤتمر دولى هدفه رفع الرقابة عن الصحافة ودعم الديمقراطية” بعد دقائق غادر مصطفى القشاشي المقهى وعاد إلى بيته حزيناً، مهموماً، ساخطاً، رافضاً الطعام
والشراب والكلام!
***
لا سماء
هذا المساء
لا سهرَ.. لا مدينة
لا بلدْ”
( الهرم ـ الساعة الثامنة صباحاً)
داخل شقة فرشها قديم، جلس مصطفى القشاشى بعد ليلة ضبابية لم يغلق له فيها جفن وامسك بصحف الصباح، ليجد خبر بالصفحة الأولى ينُشر أسماء متهمة بتقاضى رشاوى تحت مسمى مصروفات سرية من حكومات سابقة، واسمه فى أول الأسماء التى ضمت أبو الخير نجيب رئيس تحرير صحيفة الجمهور المصرى( كان معارضاَ أصلاً لمجلس قيادة الثورة وأُعتقل 16 سنة بعد ذلك لأنه طالب بالديمقراطية) وإحسان عبد القدوس ووالدته السيدة فاطمة اليوسف ومحمد عبد المنعم رخا وكامل الشناوى وإدجار جلاد وعبد الرحمن الخميسى وغيرها من الأسماء. احتسى الرجل فنجان قهوته واغلق الصحيفة وجاء بقلم وورقة وكتب الرسالة التالية:
“السيد الصاغ/ صلاح سالم وزير الارشاد القومى
احييكم ـ أكرم تحية ـ واتشرف فأبدى أن بعض الزملاء سمعوا من سيادتكم إننى باعتبارى سكرتير نقابة الصحفيين تسلمت من المصروفات السرية مبلغ 5 الآف جنيه، فأبادر سيادتكم إنى فيما تسلمته من مصروفات لم أكن أكثر من وسيط فى مسائل قومية أو نقابية أو خيرية، وكنت عند تكليفى بأى مسألة متصلة بهذه المصروفات أقدم مستندات الصرف، فاذا كانت المبالغ التى انفقت فى مسائل عامة، قيدت باسمى فذلك تنفيذا لنظام الروتين الحكومى، وليس لى ذنب فى هذا. والمناسبات التى كلُفت بالوساطة فيها معروفة لجميع الصحفيين. ولم أتناول أى مبلغ من أجل مسائل سياسية أو حزبية فى أى عهد من العهود. وقد اصابنى مرض الزمنى الفراش ثلاث سنوات كاملة اضطررت خلالها إلى بيع منزلى بشارع الهرم ثم إلى بيع المبنى الذى كنت انشأته لإدارة جريدتى سنة 1934 وأخيراً فى سنة 1951 اضطررت إلى بيع الثلاثة عشر فداناً التى كانت آخر ما أملكه لتسديد خسارة جريدتى التى انشغلت عنها لمباشرة أعمال نقابة الصحفيين وأعضائها. وكل ما أذكره تؤيده سجلات الشهر العقارى. ورغم بيع كل ما نملكه ـ احتفاظنا بفكرتنا، وكراهيتنا للحزبية ـ مازلنا نسدد فى باقية ديون تراكمت علينا بسبب الخسائر التى تكبدناها. وفى البنوك كمبيالات مستحقه علينا تشهد بصحة كل هذا الذى نقره” ثم ختم الرجل شكواه التى أرسل منها نسخة إلى مصطفى أمين الذى كان يساند الثورة حتى هذا الوقت! قائلاً:” وهذا ولم ننشر فى صحيفتنا ـ طول الخمسة وثلاثين عاماً التى قضيناها فى العمل بالصحافة ـ كلمة تتنافى مع فكرتنا القومية وصالح البلاد.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته” وبعد هذا الخطاب جلس الرجل يسترجع مشوار حياته وذكرياته وكفاحه من أجل مهنة الصحافة وكرامتها وماضيها منذ انتخابه سكرتيراً عاماً للنقابة فى 5 ديسمبر/ كانون أول1941 وكذلك الصحف التى اصدرها ومنها صحيفة أبو الهول التى تبنت فكرة بناء ستوديو مصر ونجحت فى ذلك. وفى نفس الصحيفة ظهرت وتألقت أول صحفية مصرية وكان اسمها منيرة ثابت والتى كانت تناصر قضايا المرأة فى ذلك الزمان. وكيف نجح فى إقناع حكومة النقراشي باشا التى تولت الحكم ما بين( 9 ديسمبر – كانون أول/ 1946 وحتى 28 ديسمبر – كانون أول/ 1948) بدفع تكاليف بناء مقر نقابة الصحفيين( المبنى القديم )؟ وبعدما انتهى من كتابة الخطاب وتلك الذكريات قام ودخل إلى سريره لينام بعض الوقت!
•••
” لو تفهموا معنى السكوت
والهمس في ضل البيوت
لو تفهموا..
ماكانتش ضحكة صاحبي فى قلبه تموت”

( القاهرة ـ 1946 )
فى ذلك العام جاء محمود فهمى النقراشى رئيسا للحكومة واستغل مصطفى القشاشي علاقته الطيبة به وذهب إليه قائلاً:” يا دولة الباشا نحتاج دعم الحكومة لبناء مبنى جديد للصحفيين بدلاً من الشقة الصغيرة التى نحن فيها الآن” سأله النقراشى باشا: “وأين الأرض التى سيقام عليها المبنى”؟ رد: “لدينا قطعة أرض ( المكان الحالى للنقابة فى شارع عبد الخالق ثروت) كان مصطفى باشا النحاس قد خصصها لنا وعندما عارض الوزير الوفدى زكى العرابي هذا التخصيص استدعاه النحاس باشا وقال له بالحرف الواحد:” أنا قلت الأرض دى تروح للصحفيين.. يعنى تروح لهم.. فاهم “؟ ثم اكمل القشاشى قائلا:” والآن جاء دور حكوماتكم يا معالى الرئيس”. سكت النقراشى باشا ثم قال: ” عموما.. تقدم بطلب واتركه وسنبحث أمره”!
•••
“أنا الشعب ماشي
وعارف طريقي
كفاحى سلاحى
وعزمى صديقي”

( مكتب رئيس الوزراء ـ بعد أسبوع)
استدعى مكتب الرئيس وقتها مجلس نقابة الصحفيين لمقابلة عاجلة مع النقراشى باشا وفى الاجتماع قال لهم:” أحب أقول لكم إن جميع الطلبات التى تقدم بها الاستاذ مصطفى القشاشى قد تمت الموافقة عليها من مجلس الوزراء.. حيث وافق المجلس على اعتماد تكاليف بناء مبنى نقابة الصحفيين، ويسعدنى أن ابلغكم أن قرار المجلس هو أن يتم بناء المبنى مهما كانت تكاليفه، ولا تبخلوا فى عملية البناء، لأننا نريد لنقابة الصحفيين أحسن بناء، وعليكم أن تفرشوها بأفخم المفروشات حتى تصبح منارة إشعاع تطل منها مصر بحضارتها العريقة على الدنيا كلها” ثم استطرد رئيس الوزراء قائلاً: “اريدكم أن تعرفوا اننى قررت عندما يحضر وفد أجنبي إلى مصر أن أدعوه إلى نقابة الصحفيين”! وكانت مفاجأة لم يحلُم بها الصحفيون، بعدما علموا من النقراشي باشا أن الذى تقدم بالطلب، وطارده بالليل قبل النهار فى سرية تامة هو مصطفى القشاشى!
•••
“ويقهر الموت..
قبوله بالرضا والطوع
الفرد ينشى، ويمشي
والخلود للنوع”

( الشقة – بعد مرور عدة ساعات)
حاول الرجل أن ينام فلم يجد للنوم سبيلاً، وبدأ يشعر بألم فى ذراعه، وضيق فى الصدر، وصعوبة فى التنفس.. زوجته ساعدته فى ارتداء ملابسه وجاء أحد الجيران واصطحبه للطبيب الذي طلب منه الراحة التامة خوفاً من حدوث جلطة بسبب ارتفاع الضغط لديه….مرت الأيام والشهور وبدأ رويدا رويدا الرجل ينسحب من المشهد الصحفى كله وبدأت ظروفه الحياتية والمعيشية تتراجع فى ظل بيعه لكل أملاكه، وتراكم الديون عليه ولم يبق له( من عمارة كاملة) إلا الشقة التى يعيش فيها بعد رحيل زوجته. وعندما ضاقت به الدنيا ( باع) الشقة هى الأخرى واستأذن المالك الجديد فى أن يسمح له بالنوم فى حجرة البواب. وظل على هذا الحال حتى أصابه المرض، ولم يجد ثمن الدواء، ونُقل إلى المستشفى وليس لديه ما يدفعه للعلاج. ولما علمت النقابة سارعت بدفع المصاريف حتى وافته المنية منتصف شهر ديسمبر/ كانون أول – 1965 وعندما لم يجدوا من يقيم له سرادق عزاء فتحت النقابة أبوابها لتلقى العزاء فيه! ليموت الرجل وحيداً فقيراً لم يمش فى جنازته سوى 6 صحفيين مع أحمد بدرخان ومحمد كريم وحلمى رفله وبعض المارة الذين كانوا – بطبائع الأشياء – لا يعرفون إنهم يمشون فى جنازة رجل عصامى، مكافح، صادق، غير منافق، بدأ حياته من الصفر وانتهت إلى نفس الصفر، لأنه – ببساطة- لم يتاجر بمواقفه السياسية، كما فعل غيره! ولم يبع ضميره المهنى كما فعل غيره! مما جعله يبيع عزبته من أجل الصحافة فى الوقت الذي اشتري فيه غيره عزبة من وراء الصحافة! وباع عمارته من أجل الصحافة فى الوقت الذي اشتري فيه غيره العمارات من وراء الصحافة! وأغلق صحيفته ومجلته فى الوقت الذي ترأس فيه غيره كبري الصحف والمجلات! وبعد رحيله المؤلم والحزين كتب جليل البنداري يقول:” كان أكبر الناس قلباً، وبهذا القلب الكبير قدم خدمات جليلة للصحفيين، وللنقابة، لا تنسي على مر الأيام” هكذا كتب البنداري متوقعاً ألا ينس الصحفيون – ولا تنسى نقابتهم – هذا الرجل الذي احبهم وأحب مهنتهم لكنهم (الصحفيين – ونقابتهم)- كعادة أهل حارتنا – نسوه، وتجاهلوه، ولم يطلقوا اسمه ولو على قاعة صغيرة فى المكان الذي كافح، وحارب، من أجله منذ عام 1944 فى الوقت الذى لم ينسوا فيه غيره، وأطلقوا أسماءهم على كبري قاعات النقابة!
وفى النهاية… مات الصحفى مصطفى القشاشي دون أن يعرف ما عرفه – نجيب محفوظ – ودون أن يفهم ما فهمه نجيب محفوظ.. من أن..( آفة حارتنا – أو نقابتنا – النسيان)!

خيرى حسن
•••

•• الأحداث حقيقة.. وسيناريو المقال من خيال الكاتب.

•• يُنشر غداً الخميس 30 سبتمبر 2021 فى صحيفة الوفد( العدد الاسبوعى)

•• الشعر المصاحب للكتابة للشعراء:

– فرانس كافكا
– أحمد عبد المعطى حجازى
– فؤاد قاعود
– زين العابدين فؤاد
– زكي عمر
– حسن أبو عتمان

•• الصور:
مصطفى باشا النحاس
محمود باشا النقراشي
الصاغ صلاح سالم
النقراشي باشا مع مجلس النقابة بحضور مصطفى القشاشى

•• المصادر:
كتاب: ( النقراشي ) دار الشروق – طبعة/ 2007
كتاب: ( بارونات الصحافة) جميل عارف – طبعة/ 1992

الصحف:
الأهرام/ الأخبار / الجمهورية / الوفد
المجلات:
آخر ساعة/ الإذاعة والتليفزيون/ المصور.