أخبار عاجلة

في حب القاهرة تكتب الشاعرة الإماراتية ( خلود المعلا ): ” القاهرة “

القاهرة

لم تكن يومًا بالنسبة لي مدينة مثل باقي المدن.
فهي ليست المدينة التي تسافر إليها ضمن
خططك السياحية وتكتفي بزيارة معالمها والتقاط
الصور التذكارية حال أي سائح. وهي ليست
المدينة التي تسافر إليها في زيارة عابرة ثم تغادرها ببساطة، وكأن شيئًا لم يكن.
القاهرة ليست مجرد مدينة تاريخية، مركز الثقافة والفن أو ما شابه، ولا هي مجرد مدينة عريقة أو
مكان جميل أو بلد سياحي.
القاهرة ليست محطة استراحة ولا مستودع
ذكريات، ولا هي مكان لقضاء وقت وكفى.
القاهرة آية مبهرة وآسرة لكل من له قلب إنسان .
القاهرة معنى إنساني أخّاذ وساحر، حاد وغير عادي.
القاهرة بالنسبة لي، عمْر وليست مدينة. روح وليست مكانًا. موطن
وليست بلادًا.
القاهرة عصيّة على الاختزال والاختصار. هي لغة بحد ذاتها.
لغة متفردة لا تكشف أسرار مفرادتها وتراكيبها
إلا لعشاقها.
كم من الشوراع في العالم تبدو أجمل من شوارعها، وكم من المدن غيرها تتباهى بمعالمها التاريخية
الشامخة لكنها ورغم ذلك تبدو باردة وبلا روح.
كم من الجمال والحسن والطبيعة والوجوه
التي أصادفها في مدن العالم ،لكنها لا تترك بي أثرا كتلك
التي في القاهرة.
كثيرةالأشياء التي تأخذني في القاهرة وللقاهرة،
أشياء تتسرب داخلي تمتزج بالحسّ وتصير جزءًا
مني . تفاصيل صغيرة وبديعة تملأ يومي ،
مواقف متناقضة تشدّني إلى نفسي والآخر
بعفويتها، بساطتها، خفتها وأثقالها.
اللحظات التي أقضيها أمام نهر النيل كفيلة بأن تمنح ذلك الشعور الخفيّ
بروعة الحياة وقسوتها في آن واحد .
وجوه المارة ، حميمية الأمكنة ،
الهمسات التي ينصت لها النيل، والضحكات التي
يبتسم لها، غناء بائع التين الشوكي، طفلة الفل والياسمين وهي تناولني بابتسامة ناطقة طوقها الأبيض ، وتدعو لي بسعادة القلب والحب، لتحرضني على اقتناء ياسمينها الممزوج بنسمات النيل،
ودعاء سيدة الرصيف لي “ربنا يسعدك يا بنتي ” ، وأنا أبتاع منها المناديل ، ثم الأرصفة العامرة
بالحكايات النابضة بالنكات والضحكات وحتى الأوجاع.
الوجوه ،والشوارع والمشاهد والأمكنة التي أمرُّ عليها قد تكون عابرة ،إلاعن القلب. “القاهرة هي الشوق للحياة ” هكذا كتبت على
دفتر محاضراتي الجامعية خلال فترة دراستي
وما زلت أحتفظ به وأعود له كلما فاض الحنين .
ومثله كثير من القصاصات والمناديل التي كتبتُ
عليها تجليات اللحظة آنذاك أثناء جولاتي في شوراع القاهرة العامرة .
جولات في التاريخ، في الفن ، في الوجوه،
وفي الحياة بكل حالاتها.
عمر من الذكريات أحمله معي يمتد منذ الصغر.
زمني الجميل العامر بوجوه الطفولة،
أجمل الصداقات التي كبرت معي ، والأمكنة التي شكّلَتني وشكّلتها.
أحلى المواقف وأخفّها على القلب ،التي تحفظها الذاكرة و تجترها.
القاهرة تعرف كيف تنتقي عشاقها، تختارهم ،
ترعاهم، وتزرع بذرة محبتها منذ أول خطوة على
شوارعها والنيل يروي ولا يروي .
“ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين” هذا قول الله عز وجل ، فهل بعد قول الحق من قول!

[email protected]