أخبار عاجلة

د.خالد محمد عبدالغني: عيسى الشيخ حسن وسيرة الوطن الذي لا فكاك من حبه 

 

عيسى الشيخ حسن من مواليد أم الفرسان بالقامشلي بشمال سوريا في عام 1965 درس الأدب العربي بجامعة حلب ، يعمل مدرساً للغة العربية وصحفياً بجريدة الشرق القطرية منذ عام 1999، وعمل معداً لبرامج الأطفال بالتليفزيون، عمل أبوه محفظاً للقرآن الكريم، والأب من أتباع الطرق الصوفية، تربى الشاعر على الشعر في هذا الجو الصوفي منذ الصغر ، أحب القراءة والكتابة ولعب كرة القدم التي أثرت سلبياً على الإنجاز الدراسي لديه فحصل على دبلوم المعلمين ثم على المؤهل الجامعي فيما بعد، كان الأب يغيب كثيرًا عن البيت بسبب العمل بعيداً عن القرية، كما توفى الأب وعمر الشاعر السابعة عشر تقريباً فتولت الأم رعاية الأسرة. حصل على جائزتي عبدالوهاب البياتي من سوريا، والشارقة للإبداع الشعري من دولة الإمارات العربية المتحدة. له عدة دواوين منها أناشيد مبللة بالحزن ويا جبال أوبي معه وأمويون في حلم عباسي ، وحين لا هواء، ومروا علي ، ومجموعة كبيرة من القصائد المنشورة بالصحف والمجلات الأدبية في كثير من البلاد العربية، وكُتِبَ عن تجربته الشعرية مجموعة كبيرة من الدراسات النقدية الأدبية

في بداية الألفية الثالثة كنت أغازل عيسى دوما بقولي له : إنك عراقي في ثوب سوري” فكتب ديوانه الثالث “أمويون في حلم عباسي ” على اصداء دخول الأمريكان بغداد وقد عاصرنا أحداثها معا ورأينا كيف كانت الهزيمة العسكرية والنفسية لنا جميعا كعرب وليس لبغداد وحدها ، ثم جاءت الحرب السورية ونر عيسى بعدها كما قلت ستبقا ديوانين يؤرخ لانعكاسات الحرب على الوطن السوري والانسان السوري ومأ حدث من هجرة لابنائه الذين كبما التقيت أحدهم في مصر بثثت له الحب والشوق وذكرت له عيسى الشيخ حسن الصديق والشاعر الكبير ، وجاء روايته خربة الشيخ أحمد لتبدأ من حرب العراق وايران في اوائل الثمانينيات تحدث اثارها السلبية على الشعب السوري والعراقي ، ، كان عيسى قد مر في حياته بكل الحروب العربية الكبرى بدءا من حرب 1967 وهو لما يزل بعد رضيع ثم حرب 1973 ثم الحرب العراقية الايرانية ثم العراقية الكويتية ثم الامريكية العراقية ثم السورية السورية ولكنه حدثني عن الحرب الاهلية في لبنان والهجمات الاسرائيلية الصهيونية على بيروت والتي واكبت كما كان يقول تفتح مواهبه الشعرية والأدبية ، نرجع للحديث عن لاقته بالحرب في أعماله داخل النصوص أو في ناسبات نشرها وخروجها للجماهير ، وهذان الديوانان ” حمام كثيف ومروا علي” حول تجربة الفقد للأصدقاء والأهل والأوطان ، وأظن أن حالة الفقد والهجرة ستكون الثيمة الرئيسية في مشروع عيسى الشيخ حسن الأدبي

خربة الشيخ أحمد رواية مليئة بالقضايا الاجتماعية والنفسية الي يجب مناقشتها من قبل النقاد على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والتنظيرية، ولست أعرف السبب وراء الخفوت النقدي الذي تلاقيه الرواية فيما اتصوره اللهم الا من بعض العروض الشارحة للرواية أو بعض القراءات الانطباعية التي لها وجاهتها بالطبع ولكنها لا توفي الرواية حقها فيما أظن، ومن ضمن ما وجدته من قضايا تلك الازدواجية أو التناقض الوجداني في اسم الرواية فقد كان الاجدى ان يكون اسمها “خربة الصفرة” لان احداث الرواية تدور في هذه القرية ، وأما خربة الشيخ أحمد فهي القرية المجاورة والتي تبتعد حوالي ثلاثة كيلو متر عن الصفرة وهي قرية موازية للصفرة ولكن ابطال الرواية ومن يس من اهل الصفرة ووجذوره القريبة تنتمي اليها والسؤال لماذا جاءت التسمية على هذا النحو “خربة الشيخ أحمد ” وليست “خربة الصفرة ” وهنا يجيبنا اللاشعور الخاص بالمؤلف الذي كتب رواية الانزياح والهجرة من الوطن إلى اماكن اخرى ولما كانت الهجرة فعل القدر المحتوم على أهل الخربة رأي اللاشعور ان الهجرة ستكون لقرية قريبة من قرية الأحداث فلتكن هجرة أهل خربة الشيخ أحمد ، ولتبق خربة الصفرة كما هي لا تهاجر ، وبالتالى جاءت الترضية والحل اللاشعور بان يكون العنوان المهاجر والقرية المهاجرة هم أهل خربة الشيخ أحمد وليست الصفرة ، ولكن لماذا فعل اللاشعور هذا. . ، لأن المؤلف يتوحد لا شعوريا ببطل الرواية الرئيسي ياسين ولهذا فهجرة القرية لمجاورة “خربة الشيخ أحمد مقبول لديه ولكن هجرة قريته ” الصفرة ” غير مقبول و غير مرغوب في آن .

مر عيسى الشيخ حسن بمرحلتين في تجربته الشعرية المرحلة الاولى التي شهدت ما قبل الحرب السورية – ولقد اخترت ان تكون الحرب زمنيا هي الفيصل بين المرحلتين لورودها صريحة في المنتج الشعري الخاص بالمرحلة الثانية – وفيها انتج ثلاثة دواوين هي اناشيد مبللة بالحزن ويا جبال أوبي معه وأمويون في حلم عباسي ، والمرحلة الثانية أنتج فيها ديوانين هما مروا علي ، وحمام كثيف ، ولكل مرحلة منهما جوانب وملامح مميزة لها عن غيرها سواء في مضمون القصائد والتجربة الشعورية وكذل من حيث الشكل الخاص بالقصيدة ونوعية المفردات ، وقراءة فاحصة للخطاب الشعري لعيسى الشيخ حسن سيجعلنا نقف بوضوح على تلك الجوانب ، وما أجمل لو تمت مقارنتها بما كتبه ضمن روايته الوحيدة حتى الان وهي خربة الشيخ أحمد .

ومن اللافت للنظر في الروايات العربية الأخيرة التي اطلعت عليها وجود ما أسميه المحسنات الجاذبة للجمهور وفي اغلبها تكون تعبيرات عن مواقف مثيرة لشهية القراء وغرائزهم دون ما حاجة حقيقية داخل الرواية وأحيانا تكون الالفاظ والمفردات فجة إلا فيما هو نادر وسوف اعرض لذلك لاحقا، والان مع الخربة تلك الرواية التي لا تجد فيها من هذه المحسنات شئا أبدا بل انك لتجد العبارات والجمل والمفردات جميلة راقية مهذبة غلبت عليها لغة الشاعر وصوره البديعة ، ولا أجمل حين كانت الكلمات تصف حالة الحب التي ألمت بحسنة وياسين ذلك الفتي الذي يتنسم عبير الفتوة والشباب في بروع الخربة الفيسحة حيث الفضاء الاسع وعمق العلاقات الانسانية وبراءة المشاعر ، ان كلمات وعبارات المؤلف في روايته معبرة عن حالة الحب الأول كما يظهر في نفوس اولئك الفتية والبنات في تلك البلاد البعيدة النائية ببراعة واقتدار …

وهكذا يكتب عيسى الشيخ حسن سيرته الذاتية العائلية (الذات والام والأب والإخوة والزوجة والوطن وهمومه) وهكذا كان خطابه الشعري وكانت الرواية – كل رواياته – بديلاً عن كتابة السيرة الذاتية وسيرة الوطن الذي لا فكاك من حبه .