أخبار عاجلة

شاكر عبدالحميد البساطة العميقة د. خالد محمد عبدالغني

كنت والدكتور شاكر عبدالحميد مشروع صداقة كبير ولكنه لم يكتب له النجاح ، ولكن الحق إن نشأتي في علم النفس التي بدأت في عام 1988 كانت متزامنة مع صدور كتابه “العملية الإبداعية في فن التصوير” والذي كان رسالته للماجستير ، ثم كتابه حول العملية الإبداعية في القصة الذي كان رسالته للدكتوراه ثم بحوثه للترقية والتي نشرت في مجلة علم النفس وغيرها من المؤتمرات كان كلها حول الرسم عند الأطفال والتذوق الجمالي وغيرها من قضايا علم النفس الأكاديمية ثم توالت كتبه المؤلفة والمترجمة وهي كثيرة للغاية ، ومن هنا كانت كتبه تلك مما أحرص على اقتنائه فور صدورها والقراءة المتأنية لها ، ولربما كانت هذه البدايات المبكرة مما ساهم في تشكيل وجداني وعقلي في الاتجاه نحو الدراسة النفسية للأدب ولكن بمنهج وأهداف مختلفة أطلقت عليه “التحليل النفسي الإكلينيكي للأدب ” كانت أعماله النفسية للأدب تحت ما يسمى بالتيار الموضوعي في دراسة الأدب كأغلب أو كل ما أنتجته هذه المدرسة التي نشأت في آداب القاهرة وكان أول انجازاتها رسالة الماجستير الخاصة بمصطفى سويف حول الدراسة النفسية للشعر بإشراف أستاذه يوسف مراد عام 1949 تقريبا، وتعرفت عليه عندما جاء لزيارة الدوحة للمشاركة في واحدة من النشاطات الثقافية في بداية الألفية ، وبعدها طلبت منه ترشيحي لجائزة عبدالحميد شومان بالأردن ولكنه رفض ، ومع ذلك هنأته عند توليه وزارة الثقافة المصرية ، والتقينا مرات قليلة في أنشطة ثقافية بمعرض الكتاب ، ويبقى أنه جاد ودقيق ومنظم وصاحب أهداف واضحة يسعى إليها باقتدار ، وأنه حقق أحلامه الخاصة بالوظيفة من معيد لنائب رئس أكاديمية الفنون وأمين عام المجلس الأعلى للثقافة فوزيرا للثقافة، ونال كل الجوائز الممكنة عربيا ومصريا ، وهو صاحب انجاز علمي رصين تمثل في كثير من الترجمات والإبداعات العلمية في مجال علم نفس الإبداع والطفولة والشخصية .
ولقد تناولت خلال سنوات طويلة الكثير من أعماله بالعرض في مجلة علم النفس وغيرها من الصحف ومنها ما يلي:
كتابه ” التفضيل الجمالي ” دراسة في سيكولوجية التذوق الفني” و تعد قضية التذوق الفني والجمالي أو التفضيل الجمالي من الموضوعات التي شغلت عقول علماء النفس المصرين منذ زمن بعيد مثل عبدالسلام أحمدي الشيخ ومصري حنورة وعبداللطيف خليفة وغيرهم ومؤلف الكتاب الحالي واحد من هؤلاء الذين شغلتهم هذه القضية أيضا منذ كتابه الأول العملية الإبداعية في فن التصوير 1987 ، وحتى أحدث مؤلفاته الفن والغرابة 2010 – وهؤلاء جميعا من تلاميذ مصطفى سويف – . ومن ثم كان علم النفس منذ بداياته يجد ملاذا آمنا وممتعا له في ظلال علم الجمال، والعديد من الأفكار التي تناولها الباحثون في علم النفس منذ ظهوره بشكل علمي في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وحتى الآن له جذوره الضاربة بقوة وصلابة في أعماق المعرفة الفلسفية.
يهتم هذا الكتاب الذي يقع في 465 صفحة بدراسة الجوانب المختلفة من خبرة التذوق الفني ، كما تتجلى بشكل خاص في عملية التفضيل الجمالي . ولتفضيل الجمالي عملية نفسية وسطى تتدخل في جميع عمليات التذوق العابر أو النقد المتمهل . ويركز الكتاب من خلال فصوله الثلاثة عشر على استعراض الخلفية التاريخية للاهتمام بموضوع التفضيل الجمالي خاصة من جانب الفلاسفة وعلماء النفس. ويعرض الكتاب للمفاهيم الأساسية في هذا المجال مثل الفن والجمال والتذوق الفني والتفضيل الجمالي والقيم الجمالية والرموز والتعبير والأسلوب…الخ.
ثم يحدد بعد ذلك أهم مكونات عملية التفضيل الجمالي مثل الخط واللون والكلمة والشكل والنغمة …الخ . كما يحدد أيضا أهم المكونات أو التغيرات الشخصية المؤثرة في عملية التفضيل الجمالي مثل نشاط المخ البشري وسمات الشخصية والثقافة والنوع العمر والأساليب المعرفية التي تميز المتلقي وأساليب التربية ..الخ .كما يستعرض الكتاب النظريات السيكولوجية الأساسية المفسرة للتفضيل الجمالي ومنها نظرية التحليل النفسي وبخاصة لدى فرويد وكريس وكلاين وغيرهم ، ونظرية الجشطالت لدى رودلف أرنهايم ، والاتجاهات المعرفية الحديثة لدى فيتز ومارتنديل.
ويعطي المؤلف اهتماما كبيرا لارتقاء عمليات التفضيل لدى الأطفال ، ويكشف عن التفضيل في الأدب والسينما والفن التشكيلي والموسيقى. وتأكيدا لشمولية موضوع التفضيل الجمالي وتجاوزه للفنون والآداب يعرض المؤلف لموضوعات تتعلق بجماليات البيئة وخاصة ما يتصل منها بشكل المباني والبيوت في الحضارات القديمة والمدنية الحديث، وهذا لفرع الذي يمزج بين الدراسات السيكولوجية ودراسات البيئة والعمارة والجغرافيا والذي يعد بدرجة ما أكثر فروع الجماليات الجديدة نموا وتطورا . ويستعرض كذلك علاقة التفضيل الجمالي بالإبداع وهم الانجازات العربية في هذا المجال ثم يقدم لنا تصوره حول كيفية الارتقاء بالتذوق الفني لدى الصغار والكبار .

وكتاب : النموذج الإثرائي المدرسي “دليل عمل لتحقيق التميز المدرسي” للمؤلف : ج. رينزولي و س. ريس ومن ترجمة : د.صفاء الأعسر و د. جابر عبدالحميد و د. شاكر عبدالحميد ويعد النموذج الإثرائي مفهوم نبت وترعرع في معامل وبحوث علم التشريح العصبي فاستمد منه قوته وصلابته ، ولقد ثبت أن المخ ينمو ويتغير بناؤه التشريحي والفسيولوجي إذا ما تعرض الكائن – حيوانا او انسانا – لبيئة منشطة تستثير وظائفه فينطلق إلى أقصى ما يمكن أن يحققه بقدر ما لديه من إمكانيات ، وما يبذله من جهد ولكن تبقى نقطة الانطلاق هي توفير بيئة إثرائية.
كما واكب ظهور مفهوم الإثراء انطلاق النظريات المعرفية في علم النفس وتأكيدها على قابلية الوظائف العقلية للنمو، فالإنسان يولد ولديه إمكانيات هائلة لا تتحقق إلا بتوفر تلك البيئة المنشطة ومن هذا الإطار كان تزايد الاهتمام بالموهبة والدعوة لاكتشافها ورعايتها إلا أن هذا الاهتمام لا يصاحبه تطويرا مناسبا لا في البحوث النظرية ولا في المناهج والتصاميم والبرامج.
ومن ثم فإن هذا الكتاب الذي يعد إسهاما جادا في مجال المعرفة النظرية الحديثة والممارسة التطبيقية الواسعة التي امتدت لأكثر من ثلاثين عاما لدى مؤلفي الكتاب .
والكتاب الحالي يقدم عرضا للأبعاد التي يمكن للمعلم والأخصائي النفسي أن يلاحظها ويقيسها وينميها لدى التلاميذ، ولهذا فالكتاب يعرض بإسهاب لمفاهيم الموهبة والالتزام والإبداع ، كما يحتوي هذا النموذج الإثرائي على الفهم الدقيق للموهبة. ويقع الكتاب في 576 صفحة ويضم عشرة فصول عرض المؤلفان خلالها لأسلوب تنمية الموهبة لدى جميع التلاميذ حيث يشمل البرنامج ثلاثة أنماط هي:
1- النمط الأول ويتضمن أنشطة وخبرات ومعارف متنوعة تتناسب مع اهتمامات التلاميذ وحاجاتهم.
2- النمط الثاني : ويضم أهدافا ترتبط بتدريب التلاميذ جميعا على خمس مجموعات من العمليات والمهارات وهي العمليات العقلية ومهارات النمو الوجداني والاجتماعي ومهارات البحث المتقدمة ومهارات التعلم الذاتي ومهارات التواصل .
3- النمط الثالث ويحتوي على الطابع الفردي والمجموعات الصغيرة.
ويشترك في تنفيذ البرنامج المعلمون والإباء والإداريون وكافة العاملين في المدرسة والتلاميذ وبعض الأنشطة تقدم داخل الفصول وبعضها في غرفة المصادر والبعض الآخر خارج المدرسة.
ففي الفصل الأول يوجد النموذج الإثرائي الصالح لكل المدرسة . والفصل الثاني استخدام النموذج لكل المدرسة كخطة لتحسين مستوى الأداء. والفصل الثالث تطبيق النموذج الاثرائي المدرسي . والفصل الرابع يشمل تحديد التلاميذ للاشتراك في النموذج الإثرائي. والفصل الخامس يحتوي على ملف شخصي لكل تلميذ موهوب. والفصل السابع يحتوى على النمط الإثرائي الاستكشافي . والفصل الثامن يحتوى على النمط الاثرائي للأنشطة التدريبية الجماعية . والفصل التاسع يتضمن النمط الاثرائي في بحوث الفرد والجماعات الصغيرة. والفصل العاشر كان بعنوان ” التعليم والتعلم الاثرائي.
والكتاب بشكله الحالي يعد مادة مهمة لكل العاملين في مجال التربية والتعليم لتحقيق ذلك الإثراء المطلوب في البيئة المدرسية من أجل نهضة المجتمع في المدى القريب.
وكتابه “الفنون البصرية وعبقرية الإدراك” وجاء فيه :”الفنون البصرية هي علاقة خاصة بين الإنسان والعين والمكان ، والمكان الموجود داخل العمل الفني أو الموجود خارجه ، المكان الموجود في اللوحة أو قاعة العرض أو المتحف أو المحيط بالمباني أو الخاص بالميادين والشوارع ، أو المكان الداخلي الخاص ، مكان الخيال والحلم والذاكرة ، المكان ثلاثي الأبعاد مكان واقعي لكنه مكان فني ، والإدراك هو إعطاء المعنى للمثيرات الحسية، وعبقرية الإدراك هي تكاتف عناصر الذكاء والإبداع والجدة والإتقان والعاطفة والجوانب الشخصية والاجتماعية ي مجال التفكير البصري أي مجال فهم العالم وإبداعه من خلال لغة الشكل والصورة ولذا ظهرت لنا عبقريات مثل دافنشي وبيكاسو وفان جوخ . يقع الكتاب الحالي في 625 صفحة من القطع المتوسط ويعرض في المؤلف لجماليات التلقي في الفنون البصرية إلي تعتمد على دراسة علاقة الإبداع بالإدراك في ضوء جدلية الإبداع في الفنون البصرية ومستويات التلقي المستندة على مخزون من الخبرات البصرية التي تتفاوت من شخص لآخر وفق معايير ثقافية واجتماعية ونفسية وعمرية.
ويبدأ الكتاب بتعريف الفنون البصرية بأنها تلك الفنون التي تعتمد في إنتاجها على فعل الرؤية بشقيها الفيزيقي والوجداني ، ومن هذا المنطلق يفرق المؤلف بين الفنون البصرية وفنون الأداء كالمسرح والغناء ، أما الفنون البصرية النحت والرسم والتصوير ولعمارة فهي تبدأ من حيث فعل الرؤية ولا شيء غيرها ولذلك فهي فنون بصرية بالأساس. ثم يعرض المؤلف لمستويات التلقي والإدراك من الجانب النفسي والفسيولوجي والجمالي من خلال دراسة الجانب السيكولوجي لعملية الإبداع والتلقي للمكونات البصرية كالنقطة والخط والكتلة والضوء واللون وغيرها ، موضحا الجانب الرمزي في هذه المكونات وأسس الطرح الجمالي فيها كالنسبة والتناسب والإيقاع والاتزان والتضاد. ثم يعرض الكتاب لدراسة المكونات والأسس من الجانب الفسيولوجي من خلال عملية التلقي البصري في المخ وسبل التفكير البصري التي تؤدي إلى الإدراك وذلك من خلال تطور نظريات الفن عبر التاريخ منتهيا إلى ما تم الاصطلاح عليه في نظرية ما بعد الحداثة بـ ” الثقافة البصرية ” تلك التي تتيح للإنسان إعادة إنتاج تاريخه الثقافي بشكل جديد ينطلق من عنصر النقد ليخلق ثقافة مغايرة للثقافة الإخبارية . كما يعرض المؤلف للتفكير البصري لدى الطفل ودراسات رسوم الأطفال في القرن العشرين والنظريات المفسرة لها ، وفكرة المكان وتطور التفكير البصري وابرز العلماء في هذا الاتجاه ، والخيال البصري منذ القرن الخامس عشر حتى شاجال والسريالية ، والفنون البصرية بين التذوق والإبداع وخصائص الشخصية الجمالية ، ويختتم المؤلف كتابه بالفنون البصرية والثقافة البصرية.
ثم كتاب: الفكاهة والضحك ولقد ولد علم الضحك على أيدي فلاسفة ومفكرين وعلماء كبار في تاريخ التراث العلمي والفلسفي ، وتجاوز هذا العلم مرحلة الطفولة من خلال البحوث والدراسات والنظريات المتراكمة التي احتفلت بولادته وشجعته على النمو عبر السنوات القليلة الماضية . وقد دلف هذا العلم بقوة إلى مرحلة مراهقته وهي مرحلة قال عنها ستانلي هول ” إنها مرحلة المشقة والعاصفة . وما زال علم الضحك واقعا في أسر مكتشفات كثيرة وما زالت هناك عواصف شديدة تهب في مداراته. فالفكاهة مطلوبة من أجل صحتنا النفسية والجسمية بل القومية والضحك مطلوب أيضا ما دام مناسبا ومهذبا وراقيا ولائقا وإبداعيا فهو كان دائما وسيبقى قوة للإنسان ومن أبرز خصائصه وعنصرا من عناصر البهجة والتفاؤل والأمل في حياتنا العربية هذه التي أصبحت تحيط بها عوامل كثيرة وتحدق بها قوى عدة من داخلها ومن خارجها تحاول أن تزرع في قلبها روح اليأس والقنوط.
يركز هذا الكتاب من خلال صفحاته البالغة 500 صفحة وفصوله الأثني عشر على استعراض التفاصيل عن الموضوعات التالية : مفاهيم الفكاهة والضحك ومظاهرها ، وأبرز فلاسفة الضحك ، وعلاقة علم النفس بالضحك ، ودراسة الفكاهة والضحك عبر العمر من الطفولة إلى الشيخوخة ، والفكاهة وخصائص الشخصية ، والفكاهة والضحك والمجتمع ، والفكاهة والضحك في التراث العربي ، والضحك من خلال عدد من النماذج الروائية ، والضحك والفكاهة في الفنون التشكيلية ، والنكتة وبنيتها وأهدافها ، أشهر المضحكين ، وأمراض الضحك وأساليب العلاج النفسي القائمة على الضحك.
ومن دواعي الاهتمام بتأليف الكتاب يقول المؤلف :
1 – أن هناك ضرورة للاهتمام بالجوانب الخاصة من السلوك الإنساني المرتبطة بالتفاؤل والأمل والشعور ب ” حسن الحال ” يقصد المؤلف ما يعرف حاليا بـ “الرفاهية النفسية ” أو الوجود الأفضل وأما ما نفضله من ترجمة للمصطلح الأجنبي Well – Being فهو “الستر”. وعدم الاقتصار على الجوانب المرضية فقط.
2- ضرورة المعرفة العلمية الأكثر عمقا بموضوع الفكاهة والضحك وتجاوز مرحلة الطرائف والنوادر والحكايات المسلية.
3- تأكيد أن موضوع الفكاهة والضحك لا يمكن دراسته من جانب واحد من أحد المتخصصين في حقل معرفي واحد بعينه لأن علم وظائف الأعضاء والفلسفة الفن والفلسفة وعلم النفس والاجتماع والتاريخ والنقد الأدبي والمسرح والسينما والفنون التشكيلية كلها علوم يمكن أن تساهم في دراسة الفكاهة والضحك.
4- تأكيد البعد الاجتماعي للفكاهة والضحك فمثل هذه المظاهر السلوكية لا تحدث غالبا إلا في وجود الآخرين وتكون على نحو إيجابي عندما يتوفر شروط الأمن والطمأنينة في حضور هؤلاء الآخرين.
وعلى ما سبق يعد الكتاب الحالي استكمالا لجهود قليلة قامت بدراسة النكتة والفكاهة من الناحية النفسية كما يؤكد المؤلف على ذلك.
والحق أنه كان نموذجًا للتواضع الشديد والسماحة والبساطة العميقة .