أخبار عاجلة

“سامح مبروك ” الطبعة الثانية من روايته “زرادوستار نبيّ أهل النار” بمعرض الكتاب

سامح مبروك يطلق الطبعة الثانية من روايته “زرادوستار نبيّ أهل النار” من معرض القاهرة الدولي للكتاب: حربُ الخير والشرّ

كتبت الأديبة والكاتبة اللبنانية : ” مارلين سعاده ”

من معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي سيقام متأخرًا عن ميعاده المألوف هذه السنة، من ٣٠ يونيو إلى ١٥ يوليو ٢٠٢١، يُطلِق الكاتب المصري سامح مبروك الطبعة الثانية من روايته “زرادوستار نبيّ أهل النار”، الصّادرة عن دار الحلم للنشر والتوزيع؛ وقد كان لي شخصيًّا شرف العمل على تنقيح هذه الرواية القيّمة التي صدرت طبعتها الأولى في معرض الشارقة للكتاب ٢٠٢٠، وتناولتُها في حينه بمقال، نُشر عبر موقع جريدة النهار اللبنانية* بتاريخ 19/11/2020، أضأت من خلاله على محتواها؛ ويسرني، لمناسبة صدور الطبعة الثانية من الرواية، إيصال رأيي حولها من جديد وذلك لتعريف القراء الأعزاء في مصر والعالم العربي، بقيمتها الأدبية والتاريخية، وأبعادها الإنسانيّة الراقية، وما تمتاز به من مشاهد تنقل الحدث بدقة وقوّة، مضفية عليه المزيد من الإثارة والسحر.

يغلب على الروايات الحديثة الجنوح إلى الخيال المبتكِر لواقع يسبق الزمن متطلّعًا إلى المستقبل، فيصوّره بطرق تسابق العصر، وتضيف إلى غرابته غرابة؛ لكنّ سامح مبروك يسير بنا في روايته هذه عكس الزمن، إذ ينطلق من مرحلة موغلة في القدم، تعود إلى عصر الديانات القديمة وما كان بينها من صراعات، مستندًا إلى واقع تاريخيّ لديانة كانت قائمًة، على رأسها جماعة عُرفوا بالمجوس، ليَبنيَ عليها عالمه الروائي الذي يريد من خلاله إيصال رسالة محدّدة، وقد اختصر أسُسَ روايته في التمهيد بعبارة: “إله واحد، دين واحد، رسالة واحدة، شيطان واحد.”

بين زرادوستار وأهريمان
زرادوستار الذي توّج اسمه الرواية قد لا يكون البطل الوحيد فيها، فقد صمّمها الكاتب على هيئة مونولوج سرديّ، مكرّسًا لكلّ شخصيّة فصلًا أو أكثر، تخبرنا فيه مشهدًا كاملا لواقعة معيّنة، لا تلبث أن تسردها لنا شخصيّة أخرى من وجهة نظرها الخاصّة، فنجد أنفسنا أمام حدَث ذي وجهين، كلّ شخصيّة تعرضه علينا من وجهة نظرها الخاصّة، وكأنّ الكاتب يطرح تساؤلاته وشكوكه على لسان إحدى هذه الشخصيّات، ليعود فيعطينا الجواب الشافي لها على لسان شخصيّة أخرى.

ولعلّ أكثر ما يلفتنا في هذه الحوارات الصّراع التاريخيّ القائم بين الخير والشر، والذي يُحسن سامح مبروك توظيفه في توزيع الأدوار على الشخصيّات، فيكاد يقنعنا بوجهة نظر كلّ منها، حتى أنّنا نجد أنفسنا أحيانا منحازين لتساؤلات قد تخدم الشرّ أكثر من الخير! لكنّه يعود لينتشلَنا من ضياعنا بما يُلقيه من حِكَم وعِبَر على لسان الشخصيّة الخيّرة.

حوَت الرواية ستَّ عشرة شخصيّة، القسم الأكبر منها كان دورها -على أهمّيته لاكتمال عناصر الرواية- ثانويًّا، في حين احتلّت ثلاث منها الصدارة؛ يأتي زرادوستار في المرتبة الأولى كون كلّ السرديّات على مدى الرواية تدور حوله، كما أنّ الكاتب خصّه بفصل رئيس هو الفصل الثامن، وقد ضمّنه ستّة أقسام كان خلالها هو المتكلّم، وإن شاركه أحداثها “الزائر”، أو أهريمان، الشخصيّة الثانية في الرواية والتي تشكّل أحد أعمدتها الرئيسة. تتضمّن هذه الأقسام جوهر الصراع الداخلي لدى زرادوستار من خلال حواره مع أهريمان، كما لو أنّه حوار بين عاطفته أو إيمانه من جهة، وعقله من جهة أخرى، حيث يطرح عليه أهريمان باستمرار أسئلة مُغرِقة في الشكّ: “ألم يغيِّر فيك العِلْمُ شيئًا؟ ألم يفتحْ مدارِكَك؟ ألم يطوِّر عقلَك؟ أيّة آلهة تلك التي تزعمُ بوجودها ويزعمون؟… أين كانت الآلهة منك وأنت توشكُ على الموت؟ أين هي من الحروب والدِّماء والأمراض والفقر والظُّلم؟… أتؤمنُ حقًّا بهذا الهُراء؟! أو حتى تبحث عن إثباته؟!”.

لا إله إلّا الواحد الخالق الأحد
لم يكن زرادوستار غافلا عن الدور الذي يؤدّيه أهريمان، وعرف كيف يجني الخير من كلّ ما حاول أن يبثّه فيه من سموم، في ردّه على كلّ سؤال مستفزّ يطرحه عليه، مؤكّدًا وعيه لكلّ خطوة يخطوها: “كانت أسئلتُه كالرِّياح تُذَرّي التُّرابَ من فوق أتون نارٍ حسبْتُها أوشكَتْ أن تموت، لتؤجِّجَ حوارًا قد يستمرُّ لسنين مع هذا الزّائر الغريب. فقد فتحَتْ أسئلتُه أبوابًا كانت موصَدَة في عقلي الذي كان كأرضٍ بور، سقطَتْ كحمم البراكين لتصيبَ تلك الأرض، وجعلَتْها -من بعد أن خمدَتْ نيرانُها- أرضًا خصبةً، وتربةً غنيّةً بالمعادن والكنوز”. ولا يلبث أن يعلنَ انتصارَ الخير الذي فيه على الشرّ الذي يقود جحافله أهريمان، وذلك في القسم السادس والأخير من الفصل الثامن، بكشفه عن الرسالة التي وُجد من أجلها، والتي اختصرها بجملة افتتح بها هذا القسم، وعاد فختمه بها تأكيدًا على أهمّيّتها، وفحواها: “لا إله إلّا الواحد الخالق الأحد”! ولكنّها معركة في حرب جولاتها عديدة، حيث يتركنا الكاتب باستمرار في حيرة وتساؤل دائم حول الجهة المنتصرة، إذ تستمر موازين القوى بين مدٍّ وجزر، ولا يدعنا نتأكّد من نتائجها قبل أن نأتي على آخر فصل من الرواية، بل آخر جزء من آخر فصل فيها!

ماندانه
خلال مطالعتنا نشعر، على مدى الرواية، بجوٍّ من الغموض يسيطر على فصولها، تبدو لنا ضبابيّة، مغلّفة بالأسرار، وقد عكس الغلاف إلى حدٍّ بعيد ما يحيط بها من سحر وغموض؛ كما استعان الكاتب بأسلوب مَشوب بالسّجع، ممّا أضاف إلى النصّ موسيقى ساهمت في تثبيت قِدَم الرواية وغرابة أحداثها.

ولعلّ العقدة الأساسيّة تكتمل ببروز شخصيّة ماندانه، التي لا تقلّ أهمّية عن شخصيّة البطل، وتشكّل عامل إثارة يفوق كلّ ما عداه من شخصيّات؛ فقد أجاد سامح مبروك حَبْكَ هذه الشخصيّة، وإنطاقها، وإقناعنا بمواقفها. كما برع في رسم المشاهد المغرِقة في السحر والشعوذة، وعرف كيف يضعنا في قلب الحدث، ويشدّ أعصابنا في كلّ تفصيل تنقله لنا ماندانه وهي تروي لنا الأحداث من وجهة نظرها، فتضطرب قلوبنا ونحن نستمع إليها، حتى نكاد نشعر بدقّات قلبها!

حربٌ بين الخير والشرّ
“زرادوستار نبيّ أهل النار” رواية تختصر واقع البشر على هذه الأرض مذ وُجِدوا، وربّما هو واقعهم حتى آخر الدّهر، حيث تدور حروبهم على مرّ السنين، ومنها حربهم الفكريّة الدائمة بين الخير والشرّ: “خلال سنين طالت واستطالت، في الحرب الفكريّة ما بيني وبينه.” تتضمّن الرواية رسالة إنسانيّة راقية، ارتكز فيها الكاتب سامح مبروك إلى مراجع تاريخيّة بارزة، شكّلت أساسًا متينًا لها، كما نجح في إيصال فكرتها الفلسفيّة بأسلوب أدبيّ شائق، مختصرًا فيها تاريخ الديانات، عن طريق اقتباس بعض أحداثها وتوظيفها في بناء الرواية، فجاءت كفسيفساء تاريخيّة منمّقة تُمتع كلّ من يطّلع عليه. ولعلّ ما يميّز هذا العمل أنّ الكاتب لم ينهِ أحداث الرواية بالطريقة التقليديّة التي تحمل غالبًا نهايات سعيدة، بل أدهشنا بواقعيّته التي تتركنا متأمّلين في غموض النفس البشريّة وغرابة الحياة على هذه الأرض!