أخبار عاجلة

أشرف صادق مرعي : خالد عبدالغنى بين الكفاح والإحباط والنجاح

خالد عبدالغنى بين الكفاح والإحباط والنجاح
تقديم
أشرف صادق مرعي
كبير معلمي اللغة العربية ومدير عام بالتربية والتعليم
وصحفي حر بالعديد من الجرائد المصرية
أردت بهذا الكتاب تقديم نموذج حي معاصر على المثابرة والتحدي والصبر والصمود فكانت حياته كما عرفتها بل وعشت بعض أحداثها معه مثالا صارخا على الكفاح والإحباط والنجاح هذا الثلاثي الذي دارت بين معالمه حياته، أقول أردت تقديم ذلك النموذج للأجيال الشابة من أبنائنا طلاب العلم والباحثين في كل المجالات لأنهم فلذات أكبادنا نحبهم ونتمنى لهم الخير كل الخير .
وكما مر بك عزيزي القارئ من عنوان الكتاب الذي آثرته فكلنا قد مر بنفس المحطات في حياته ومنا من يستسلم لهذا الإحباط ولا يكاد يبارحه فيعيش بلا أهداف ولا أحلام ولا أمال يحققها ، والدكتور خالد عبدالغني أعرفه كرفيق درب في الدراسة في المرحلة الثانوية والجامعية ثم جمعنا العمل المشترك في التربية والتعليم فهو دمث الخلق ، متواضع ومحب للعلم ومبتسم دائما برغم كل الصعاب التي واجهها ويواجهها ، يعرف أصدقائه ويتفقد أحوالهم ولا يتردد في مد يد العون لهم إذا كان ذلك في استطاعته فهو كالشمعة التي تحترق لكي تنير الطريق للسالكين ، وقد عشت معه الكثير من الذكريات حين كان عليه تحصيل العلم في ظروف مادية ومعنوية قاسية وها هو يتفوق في المرحلة الثانوية ويلتحق بالجامعة في قسم علم النفس بكلية الآداب بجامعة بنها وكان عليه أن ينجز هذه المرحلة ، وقد تحقق له ذلك ، وشرع في تحقيق التميز بالحصول على الدراسات العليا وكانت هذه مرحلة فارقة في حياته فكيف سيحقق هذا الحلم في ظل ظروف مادية شديدة الصعوبة وأمامه المستقبل الذي يحتاج لكل دقيقة وكل مليم لبناء حياته الاجتماعية والأسرية ، وكانت أولى خطواته متعسرة ومتخبطة فها هو يرسب لأول مرة في حياته في امتحان السنة التمهيدية للماجستير بآداب بنها في العام الدراسي 1992/1993 ولكن ما عزاه لمواجهة هذا الإحباط وهذا الفشل أن الدفعة بكاملها قد رسبت ولم ينجح منها أحد ، وأمر آخر أدخل السكينة على نفسه وهو أداؤه الخدمة العسكرية في سلاح إشارة الدفاع الجوي في نفس السنة التي يدرس بها بالجامعة ، فقال لنفسه “لقد أنهيت الجيش والكل رسب وقد حققت هدف واحد في هذا العام وهو الانتهاء من الخدمة العسكرية ولابد أن أبدأ من جديد” وفعلا قام بسحب أوراقه من الكلية وعند خروجه قابل أحد أساتذته حينها وكان يشغل منصب رئيس القسم فقال له “يا خالد الليسانس لكل الناس أما الماجستير والدكتوراه فليست لكل الناس اذهب وابحث عن عمل لتعين به نفسك قاصدا الإشارة إلى أن الباحثين في الماجستير والدكتوراه لابد وأن يكونوا من ذوي المال والثراء ، فرد عليه صديقي الدكتور خالد قائلا ” سوف أتقدم للدراسة بجامعة عين شمس ولسوف أثبت لك إني من الذين يستحقون الحصول على الماجستير والدكتوراه “. وبدأ الطريق من جديد وتقدم للدراسة بجامعة عين شمس وتفوق بها وعاد لبنها من جديد ليسجل الماجستير مع أستاذه د.عادل كمال خضر ولكن رئيس القسم ذلك الذي حدثتكم عنه سابقا رفض تسجيل الخطة وماطل في صلف وقسوة فما كان من خالد إلا أن شكاه لعميد الكلية آنذاك د. محمد إبراهيم عبادة الذي أنصفه وسجل له الرسالة بعد شد وجذب ومعاناة لا مثيل لها ، واجتهد صديقي أكثر وأكثر وأنهي رسالته وجاء رئيس القسم ذلك الرجل القاسي قلبه والمتحجر عقله فاعترض على الرسالة بعد المناقشة وامتنع عن التوقيع على تقدير الرسالة فما كان من الفاضل د.قدري محمود حفني الأستاذ الأشهر في علم النفس في مصر حينها والذي كان رئيسا للجنة الحكم والمناقشة على الرسالة بأن أصر على منح الطالب تقدير ممتاز في سابقة غير معهودة ، ولقد احتفظ خالد بهذا الموقف للدكتور قدري حفني طوال حياته بل وقدم عنه حلقة بالتليفزيون المصري وعدة حلقات بالإذاعة المصرية وعددا من المقالات بالصحف والمجلات وأخيرا قدم عنه كتابا حمل عنوان “قدري حفني العالم والمفكر والإنسان ” ، وعاد خالد منتصرا في هذا اليوم ولكن هناك مرارة ظلت في حلقه طوال حياته نتيجة هذا الموقف المؤلم والمناقشة والمداولة التي استمرت من العاشرة صباحا حتى الرابعة عصرا وانتهت بهذا القرار الذي تلاه د.قدري حفني على مسامع الحضور وكانوا كثر ” قررت اللجنة بأغلبية الآراء منح الطالب درجة الماجستير بتقدير ممتاز مع تأجيل المنح لحين الانتهاء من تصويب الأخطاء الواردة بالرسالة “. وفعلا قام خالد بتصويب الأخطاء التي كانت في كلها مطبعية ولا تأثير لها في سلامة الرسالة ودقتها ونتائجها ، ويمضي شهر واحد تقريبا بعد تصويب الأخطاء ونيل درجة الماجستير وقام بإعداد خطة الدكتوراه وتقدم بها للقسم ، ولكن رئيس القسم رفض التسجيل هذه المرة بحجة أن الطالب لم يمر عليه وقت كاف بعد الماجستير وفعلا قدم طلبا لعميد الكلية آنذاك د. مصطفى السعدني ولكن عميد الكلية رفض طلبه لأنه ليس في القانون ما يمنع وفعلا سجل خالد خطة الدكتوراه بإشراف أستاذه د. عادل كمال خضر بعد مناقشة استمرت أربع ساعات للخطة في سيمينار عجيب حاول رئيس القسم وأحد تلاميذه من الدكاترة العاملين بالقسم عرقلة هذه الخطوة ولكن شجاعة المشرف ألجمتهما وقضت على حلمها برفض الخطة وبعد عامين من ذلك التسجيل ولصعوبة العمل بالجامعة فقد ذيع في الأوساط العلمية قيام رئيس القسم بمحاربة الطالب خالد وعندها ترك ذلك الموقف أثرا سيئا لدى بقية أقسام علم النفس التي كانت تجامله في حينها فقرر خالد السفر والعمل بالخليج وهناك حقق نجاحا منقطع النظير بالدوحة وكان ملء السمع والبصر وعاد وناقش الدكتوراه في عام 2003 وقبل المناقشة بشهرين يرحل أبوه للرفيق الأعلى وقد كانا صديقين وكان خالد يعد والده بكثير من التعويض عن الحياة القاسية ولكن الأب لم يحضر المناقشة ولم يرى ابنه دكتورا كما تمنى فكان ذلك طعم ذلك مرا ، مرارة لم تغيرها حلاوة النجاح الذي حققه بعد ذلك صديقي الشاب إذ كان يتمنى أن يرى والده مؤلفاته التي بلغت أربعين كتابا أو يزيد وعشرات المؤتمرات العالمية ومئات المقالات والبحوث بالصحف والمجلات والأحاديث التليفزيونية والإذاعية في مصر وخارجها والإعجاب والإشادة التي يحظى بهما شخصيا أو تنالها مؤلفاته المنشورة في كل من البلاد العربية والأوروبية وكتبه الموجودة بالجامعات العربية الكبرى بمصر والخليج بل وبمكتبة الكونجرس الأمريكي ، وأن يرى تسابق الجوائز التي تلاحقه وعشرات التكريمات التي يرفضها ، وسط هذا النجاح الذي تحقق بفضل الله وبمقاومة الإحباط وبالتمسك بفضيلة الكفاح يظل خالد بعمله بالتربية والتعليم موجها للتربية النفسية وقبلها أخصائي نفسي بمدرستي التي كنت مديرا لها وهي زاوية النجار الابتدائية وقضينا معا عامين من العمل بالمدرسة انتقلت بعدها لمدرسة أخرى بقليوب بجوار الإدارة التعليمية وهنا كنت ألتقيه أسبوعيا للنقاش والصحبة الطيبة .
أقول لقد فوجئت حين وجدته ينتقل من العمل بقريته لمدرسة زاوية النجار فقد آثر الابتعاد عن المشكلات التي يسببها له أعداء النجاح إذ ضايقوه كثيرا بعد عودته من قطر وكان الأولى بهم أن يرفعوه وهو ابن قريتهم ولكن يبدو أن لا كرامة لنبي في قومه ، وخيرا فعل فكانت صحبته والتعرف على مسيرته من جديد مما استفدته في هذه السنوات القليلة .
وعندما تعرف عزيزي القارئ أنه برغم هذا التميز لم يتشجع أحد من أساتذة الجامعة لتعيينه في أي من الجامعات الحكومية في الوقت الذي يتم فيه تعيين أصحاب الرشاوي والخدمات المتبادلة والواسطة في أوسع معانيها في هذه الأماكن الجامعية وهذا أيضا إحباط من نوع آخر وهو إحباط قاسي للغاية يمكن أن يصيبه باليأس والقنوط فينكسر ويعتكف بعيدا عن الحياة ولكنه أيضا يكافح ويقاوم ويتنصر حتى أستطيع أن أقولها وأنا مطمئن تماما ” لقد تفوق خالد على جميع أساتذته وحقق ما لم يحققوه مجتمعين سواء من رحل منهم للرفيق الأعلى أو من هو على قيد الحياة وقد أصبح شيخا لا يستطيع تقديم المزيد الذي يلحقه بتلميذه من مؤلفات أو بحوث أو مقالات أو حتى مشاركات بحثية وندوات أو لقاءات تليفزيونية” ، حتى سمعت أحدهم يقول عنه “إني أعتبرك قسما لعلم النفس وحدك يا د. خالد ولا تحزن الجامعة هي التي خسرتك ولست أنت من خسرتها.”
هذه كانت مسيرة خالد عبدالغني بين الكفاح والإحباط والنجاح قدمتها في عجالة وسرعة وربما يأتي الوقت الذي نقرأ فيه جميعا سيرة ذاتية جامعة بقلم الدكتور خالد عبدالغني ليكشف لنا عن المزيد من محطات الكفاح والإحباط والنجاح .
ولا أنسى تقديم الشكر والتحية للدكتور خالد ولكل السادة المشاركين في الكتاب الذين أمدوني بالمادة العلمية والبحثية التي كانت مادة هذه الكتاب وأتمنى أيضا أن أكون قد قدمت نموذجا يحتذى لشبابنا ولأبنائنا .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .