أخبار عاجلة

“القلاع الحصينة» بين الأدباء والقراء.. من يسكن بعيدا عن الآخر

“العزوف عن الإصدارات الحديثة” أصبح ظاهرة آخذة في الانتشار، وبالرغم من شغف تلك الشريحة الواضحة بالقراءة، وخاصة الشباب، إلا أنهم يتحاشون الأدب والأعمال الصادرة مؤخرًا، بحجة أنها بلا قيمة، وبالحديث معهم تجد أن العديد منهم يجهل العديد من الأسماء المهمة والمعروفة من الكتاب والمبدعين.
«best seller»
الفكرة نفسها طرحها الكاتب والصحفي، سامح فايز، في كتابه “best seller”، عندما أشار إلى وجود ما وصفه بـ”دولتين” في الوسط الأدبي، الدولة الأولى تضم فئة الكتاب والمبدعين الذين يحظون بشكل ما بتأييد  النقاد والأدباء والمنصات الثقافية، أما الدولة الثانية فتضم العديد من الكتاب الذين ظهروا واشتهروا عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، ودعايا دور النشر الجديدة، التي بدت مختلفة أيضًا عن المعهود، لكن من الواضح أن تلك الفجوة ليست بين الأدباء وأنفسهم فقط، لكن أيضًا بين الأدباء والقراء.
السلوك الفردي
يبدو أن هناك أزمة واضحة في تعرف الجمهور العام أو القارئ العادي على النتاج الأدبي المعاصر، خاصة المتميز منه، ويرى الكاتب والروائي أحمد شوقي، أن السلوك الفردي لكل قارئ هو المتحكم في تلك الأزمة، موضحا أن “السعي لإدراك المعرفة سلوك فردي، وفي صورته الجمعية هو فعل رفاه، لا يمكن أن تجد مجتمعا يفتقر إلى تأمين احتياجاته الإنسانية الأساسية، ويكون السعي للمعرفة إحدى أولوياته”.
وعن مسألة ضعف التواصل مع الجمهور أو قوته، أضاف شوقي، أنه “لا ميزة فيها لجيل عن جيل، الميزة فيها هي فرصة الاتصال بالجماهير، التي توفرها وسائط فنية أكثر جماهيرية أو أكثر ذيوعًا، هل كان يعرف الجمهور العادي صنع الله إبراهيم قبل مسلسل “ذات”، الجمهور نفسه الذي يعرف أسماء خيري شلبي ونجيب محفوظ وفؤاد حداد وصلاح جاهين والأبنودي وسيد حجاب وبهاء طاهر، ماذا يعرف عن نصوصهم، التي لم تحول أو تدرج ضمن الأعمال الدرامية، هل يعرف الجمهور فؤاد قاعد؟ كم قرؤوا من قصائد عبد الرحيم منصور؟ هل سمعوا بمحمد حافظ رجب؟ عبد الحكيم قاسم؟ كم شاهدوا من لوحات عبد الهادي الجزار ومحمود سعيد وإنجي أفلاطون؟”.
مفهوم الجمهور
في حين يري الناقد الأدبي، مدحت  صفوت، أنه لا يمكن التعامل مع القراء باعتبارهم كيانا واحدا، مشيرا إلى أن “صورة المثقف في ذهن الجمهور العام مشوشة بشكل ما”، موضحا أن “السؤال عن علاقة الجمهور بالوسط الأدبي يتطلب تحديد مفهوم الجمهور أولًا، فالحديث عن الأخير على غرار جماهير الرياضة مثلًا أمر مربك، فطبيعي أن يتسم الجمهور الأدبي بسمات تميزه عن غيره من أنواع الجماهير، وهنا يمكن تقسيم الجمهور ذاته إلى فئات، جمهور عام، وهو أيّ قارئ يمكنه مطالعة المنتج الأدبي، وجمهور خاص”.
وأضاف صفوت، أنه “من الطبيعي أن يكتفي الجمهور العام بمعرفة الأسماء التي تكرس لها الصحافة والمؤسسات الثقافية والإعلامية، أما مسألة أن يصير الأدباء كافة في مستوى واحد من الشهرة فهو أمر غير قابل للتحقق، على الأقل حتى اللحظة الراهنة، فيما يتصل الجمهور الخاص بأنواع شتى من الأدباء وأسماء متعددة”.
صورة الأديب والمثقف
وأشار صفوت إلى أن صورة الأديب والمثقف في عمومه تبدو مشوهة في نظر الجمهور العام، وفي اعتقادي أن صورة المثقف في الأدب، والرواية تحديدا، ليست هي الصورة ذاتها في السينما والدراما، وحتى في الكتابات التي تُعرف باسم « best seller »، فصورة المثقف في السينما والدراما سيطرت عليها الرؤية التنميطية «الكاريكاتورية»، ذلك الشخص الذي يحمل كتبه تحت إبطه ويتحدث بعبارات غير مفهومة، ناهيك عن الصورة الجسمانية لرجل ترك شعره أشعث أو امرأة منفتحة، «ومنحلة» أحياناً.
ويوضح صفوت، أن النموذج الأحدث في الدراما رسمه يوسف معاطي، وجسده عادل إمام، وهي صورة موجهة لأسباب، منها في اعتقادي كراهية عدد من صناع الدراما والسينما لمفهوم الثقافة ذاته، لكن اللافت أننا يمكننا أن نقف على صورة المثقف العضوي بمفهوم «أنطونيو غرامشي» في الكتابات الأدبية، بينما يدين واقعياً الأدباء هذه الصورة، ويعادون فعلياً أي مثقف عضوي على مستوى الخطاب أو الممارسة الفعلية بوصفها صورة قديمة”.
النظرة الربحية
من جانبها، ترى الباحثة والمعيدة بكلية الإعلام فاطمة الحفني، أن مسألة رواج اسم أديب معين أو غيره بين الجمهور العادي، وخاصة الشباب، يعتمد في الأساس على دور النشر”، مشيرة إلى أن هناك العديد من الأدباء الذين يكتبون لأجل الإبداع والأدب الحقيقي، مثل أحمد زغلول الشيطي وعادل عصمت وغيرهم، مما لا تعنيهم التجارة بقدر ما يعنيهم قيمة ما يكتبونه، في حين أن هناك ما يُكتب ليدر ربحا، كغالبية الروايات التي تندرج تحت الأدب النوعي، كالرعب والرومانسية.
دور الدعاية
وأشارت الحفني إلى “أن أغلب الطلاب المهتمين بالقراءة يتجهون إما لقراءة أعمال الكتاب الأشهر، نجيب محفوظ ويوسف إدريس وطه حسين، حيث الإجماع على أهمية تلك الأعمال وتميزها، أو الروايات النوعية الجديدة، التي تقرأ كنوع من التسلية، وهذا واضح في قوائم best seller”.
وعن دور الدعاية، قالت “في رأيي لها دور كبير في ذلك، بكل ما تشمله، حتى أن تصميم أغلفة الكتب أصبح من سبل الدعاية، وأصبح الكاتب يهتم بتسويق نفسه بعيدًا عن جهود دور النشر.
كتبت: أميرة دكروري
الكتاب 50+1