أخبار عاجلة

حكيم جماعين يكتب: معرض لينا المالكي.. رحلة جسد يبحث عن مكانه ومدينة تتشكل داخل نفسها

حكيم جماعين يكتب: معرض لينا المالكي.. رحلة جسد يبحث عن مكانه ومدينة تتشكل داخل نفسها

في أعمال السوريه لينا المالكي على قاعة ضي العرب بالزمالك، يظهر الجسد الأنثوي ككيان لا يقتصر على الفيزيائي، بل يتجاوز حدوده ليغدو إستعارة للتماسك الداخلي رغم الإنقسام الخارجي. فالمرأة هنا ليست جسداً يتنقل في المكان ولا خطوطا تغازل الوانها، بل ذاتاً تحاول إعادة تشكيل معنى الإنتماء وسط واقع يمزّق الجغرافيا والنفس.
بهذا المعنى يصبح الجسد حدّاً فلسفياً، بين الداخل والخارج، والذاكرة والراهن، والثبات والحركة، إنه جسد يختبر «العبور» كقدر، و«الاستقرار» كحلم. انها ذاكرة محملة بالياسمين الدمشقي، وحارات دمشق وبيوتها العتيقة، حيث لايبدوا ذلك زخرفاً بصرياً، انه إستدعاء للمدينة كجزء من جسدها الروحي.
حيث المدينة هنا ليست خلفية، بل امتداد حسي للجسد الأنثوي، الياسمين يشبه هشاشة الجسد وقوته في آن. الأزقة ضيقة مثل الممرات الداخلية للوعي. العمارة الدمشقية العتيقة تصبح «بيتاً داخلياً»، ملاذاً تخشى الذات فقدانه، وبهذا تتشكّل علاقة عضوية. المدينة تسكن الجسد، والجسد يسكن المدينة.
يتحوّل الخط عند المالكي إلى نَفَسٍ تشكيلي، يربط الجسد بالمكان، ويعمل كخيط يثبت المبعثر، أما اللون، فيأتي بوصفه «زمن اللوحة»
الألوان الترابية تستدعي انغراساً في الأرض.
الألوان المزرقّة أو البنفسجية تستعير توتر العبور، الألوان الحارة تحيل إلى حميمية البيت والذكريات، اللون هنا ليس مجرد قيمة جمالية بل لغة للإنتماء والإغتراب. إنه يكشف علاقة الذات بذاتها وبمكانها، كأن الفنانة تتساءل عبره:
هل يمكن للون أن يخلق وطناً يُسكن، حين يتعذّر السكن في المكان الحقيقي؟

الحدود ليست ما يمنعنا، بل ما يعيد تشكيلنا.
هذا يشبه مفهوم الحدود عند الفيلسوف جورج سيمل، حيث الحدود ليست نهاية الأشياء بل بداية العلاقات بينها.
المالكي لا تقدّم الجسد كضحية، بل كقوة ناعمة مقاومة، يقاوم النسيان عبر الذاكرة البصرية، يقاوم التشظي عبر وحدة اللون والخط، يقاوم التغيّر القسري عبر تشبثه بالمكان الأول.
الجسد يمثّل هنا مأوى ذاتي: بيتٌ متنقّل يحمل دمشق معه.
تبوح اللوحات عند المالكي عن سؤال تشكيلي معرفي، هل يمكن للإنسان أن يستقر وهو محمّل بعبء الرحيل؟
هل يشكّل الفن استقراراً بديلاً حين يغيب الاستقرار الواقعي؟
لتجيب عبر قرائتي للوحاتها ان الإستقرار في العمل ليس فعلاً جغرافياً، بل فعلاً وجودياً.
إجابة ورؤية مركّبة للجسد الأنثوي، لا باعتباره موضوعاً جمالياً، بل حاملاً للذاكرة، وللمدينة، وللحدود، وللعبور، وللحلم بالإستقرار.
إنها لوحة تُقرأ بوصفها رحلة:
رحلة جسد يبحث عن مكانه، ومدينة تتشكل داخل نفسها فيه، وجمال يحاول أن يعيد للوجود شيئاً من إتساقه. حكيم جماعين باحث جمالي وفنان تشكيلي.