حكيم جماعين يكتب: لوحة في كل بيت..دعوة لجعل الجدران تتكلّم
فكرة أن يكون في كل منزل لوحة تحمل رؤية فلسفية وتاريخية، هي ليست مجرد مشروع فني منزلي، بل محاولة لتأسيس نمط جديد للحياة الثقافية. غير أنّ نجاحها مشروط بمنهجية جمالية واعية، بعيداً عن التعقيد المفرط أو التسطيح التجاري.
إنها دعوة لجعل الجدران تتكلّم، ولإعادة الاعتبار للبيت بوصفه فضاءً للوعي لا مجرد محطة عابرة في اليوم.
يقدم لنا “اتيليه جدة” هذا التقليد السنوي لتعزيز قيم التأمل في حياة مليئة بالضجيج. وإعادة وصل الإنسان بتاريخه، كما ويخلق حس جمالي جماعي يجعل الفنون جزءاً من الحياة اليومية. لوحة معلّقة في بيت ليست خطاباً موجّهاً للفرد فقط، بل لكل من يدخل البيت، إنها إعلان عن موقف ثقافي: أن أهل هذا المكان يرون في الفكر جزءاً من حياتهم، لا شيئاً منفصلاً عنها.
تؤسس الفكرة لوعي يتجاوز الاستهلاك إلى حضور الفكر داخل حياة الفرد؛ فاللوحة ليست مجرد زينة، بل لحظة من لحظات مساءلة الذات. إنها تذكير دائم بأن الإنسان ليس كائناً عابراً، بل يمتلك تاريخا وهواجس ومعنى يبحث عنه.
انها ليست فكرة جديدة تماماً؛ فقد عرفتها حضارات عديدة بطرق أخرى: النقوش على جدران المعابد، الخطوط العربية في البيوت القديمة، الجداريات الشعبية، أو أيقونات العائلات في أوروبا. لكنها اليوم تحتاج قراءة نقدية جديدة لأنها تتحوّل من تعبير عن الهوية إلى مشروع فلسفي يومي. رغبة عميقة في تحويل الفضاء اليومي إلى مساحة للتأمل والانخراط في أسئلة المعنى، فالمنازل عادة تُختزل في وظائفها المادية: السكن، الراحة، الروتين. غير أنّ إدخال عنصر بصري ذي حمولة فكرية يوقظ متخيّلاً مغايراً يجعل البيت ليس مجرّد مكان، بل جذراً للوعي وذاكرة للإنسان.

في زحمة الحياة الحديثة، يصبح للّوحة دور يشبه دور المرآة التي لا تعكس الملامح فقط بل تعكس عمق الوجود. الصورة المعلقة على الجدار تدعو العين للتوقف، ولتأمل شيء لا يتحرك، لكنّه يُحرّك في داخل الإنسان الكثير.
فالصورة ليست تمثيلاً لما هو مرئي فقط، بل هي لغة تتحدث عبر اللون والخط والتكوين، حين توضع في المنزل، تتقاطع الصورة مع حياة ساكنيه اليومية، لتصبح فكراً مُعاشاً لا نظرياً. وهنا تتجلى قوتها: إنها تُفكّر معنا دون أن تتكلّم.
*الكاتب باحث جمالي وفنان تشكيلي
الخبر الثقافي موقع يهتم بكافة النواحي الثقاقية بمختلف مجالاتها وتغطية الأخبار الفنية .