أخبار عاجلة

الدكتور محمود زايد يكتب: وسام التكريم للواء الدكتور سامي الأطرش بطل أكتوبر

عادة ما تتجه عدسات الاهتمام إلى الأبطال العسكريين الذين سطروا بدمائهم وتضحياتهم أعظم انتصار شهدته مصر ومنطقة الشرق الأوسط على العدو الإسرائيلي في القرن العشرين، وهذا أمر طبيعي، لكن كان مع هؤلاء في نفس الخندق النضالي أبطال عظام، تعددت مهامهم، وكثرت تضحياتهم، من أمثال مسؤولي الإمداد والتموين، والأمن الغذائي، والتوجيه والإرشاد وغيرهم؛ فلولا جهود هؤلاء جميعًا مع كافة مكونات قواتنا المسلحة ما اكتملت حلقات تلك الملحمة التاريخية التي لاتزال كبريات المؤسسات العسكرية تدرس كواليس الاستراتيجية المصرية في تل الحرب، وآليات تنفيذها، ونتائجها المتحققة في وقت بات العالم يوقن أنه لن تقوم لمصر قائمة قبل نصف قرن على الأقل.
من هؤلاء ابن محافظة المنوفية الطبيب البيطري اللواء سامي الأطرش الذي وهب حياته لخدمة القوات المسلحة المصرية رغم صعوبة المهمة، وخطورة المسؤولية في وقت تآمر فيه العالم الغربي على مصر وشعبها، ومساندًا للعدو الإسرائيلي وطغيانه. فلا غرو أن كان ذلك دافعًا قويًّا للمخلصين من أبناء مصر أمثال بطلنا المُكرّم أن يترك حياة المدنية ويُسخّر كل طاقاته للقوات المسلحة كلبنة تكاملية مع مثيلاتها تعمل بنظام وإيجابية لخروج مصر من المأزق الذي كانت فيه خلال الستينيات حتى مرحلة تحرير البلاد وما بعدها بالكفاح والبناء والتطوير ومواكبة العصر؛ تحقيقًا للاكتفاء الذاتي، وردعًا لكل من تسول له نفسه أن يُفكر أن ينظر لمصر بعين الشر.


ولد اللواء الدكتور سامي الأطرش ونشأ في قرية دلهمو مركز أشمون، وتلقى تعليمه الأولي في القرية، وأكمله في مدينة منوف ثم القاهرة متوّجًا ببكالوريوس الطب البيطري من جامعة القاهرة. لم تكن نشأته وحياته التعليمية سهلة؛ بل واجه فيها صعابًا اجتماعية ومالية تكاد تصرفه عن أمله وطموحه، لكنه تمكن منها، وتغلب عليها محققًا ذاته وكيانه، وكأنه كان يُعِد نفسه منذ مراحله المبكرة لتلبية نداء الوطن إذا صاح: حي على الجهاد.. حي على البناء.. حي على الشموخ.
لم يختلف أحد من زملاء ومعارف بطل أكتوبر اللواء الدكتور سامي على توصيفه بأنه جسّدَ النموذج المحترم في القوات المسلحة المصرية، والضابط المنضبط في أداء المهام المكلف بها، والعقل المبتكر لحلحلة كل ما يطرأ من مشكلات وعقبات. فإذا اشتدت الشدائد في وحدته العسكرية قالوا: «هاتوا لها الضابط سامي.. ليس لها إلا الضابط سامي».


إن كل من يقترب من اللواء سامي الأطرش يجده شخصية متميزة، صاحب خُلقٍ رفيع، وقـيَمٍ راقية، ومبادئ ثابتة. كريمٌ في موضع الكرم، حبَّابٌ لكل من يعرفه، يصل الرحم حتى وإن قطعه غيره، نظيف اليد، طاهر المعدن، صاحب واجب، خـدوم في المتاح. حين تسمع منه تجده مثقفًا إلى أبعد حدٍ، وحينما يسمع منك تجده طالبَ علم مُصغيًا مهتمًا مقـدّرًا لكل ما تذكر. لا تفقد احترامه وتقديره وإن اختلفت بعض رؤاك مع بعض رؤاه وأفكاره؛ وعليه، لا نستغرب أبدًا أن يثمر هذا البطل أسرةً عظيمة تسير على الدرب وتُكمل مسيرته الميمونة.
ليس غريبًا أيضًا أن تكرمه اليوم نقابة الأطباء البيطريين كأحد أبطال أكتوبر المجيد؛ فقد أفنى جُلَّ عمره (ما يربو عن نصف قرن) في خدمة القوات المسلحة، مُـقدّمِاً لوطنه ما امتلكه من كفاءات علمية وخبرات متميزة اكتسبها في وطنه ومن خلال جولاته العلمية في دول أوروبية وأمريكية وأسيوية، حيث خدم في المواقع العسكرية المصرية من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها. وبهذا الصدد قال لي: «لقد مشيناها شبرًا شبرًا، وذرعًا ذراعًا، بين جبال وتلال وأودية وسهول»، وكأنه يُطبق مقصد أحد أبيات نشيدنا العسكري: «على كل أرض تركنا علامة .. قلاعًا من النور تحمي الكرامةْ».
لقد قـدّم بطل أكتوبر اللواء سامي الأطرش ابن محافظة المنوفية لوطنه كل ما توصّل إليه من جديد العلم، وخلاصة خبراته التي جاوزت النصف قرن، ولذلك تمكن من تطوير وتحديث كل ما عُهد إليه، وربى جيلاً عسكريًّا حملوا منه الراية بكفاءة.
فسلام وتحية للبطل اللواء الدكتور سامي الأطرش ولكل الأبطال المصريين في يوم احتفالنا بنصركم العظيم في الذكر الثانية والخمسين لانتصارات أكتوبر المجيد، ودامت مصر بأمثالكم شامخة رايتها، مرفوعة هامتها، رائد في الكرامة، حاملة لواء الحكمة وفصل الخطاب.