أخبار عاجلة

سلاطين الوجد والشاعر “أحمد الشهاوي”: أغرق في بحر نفسي وعزلتي اخترتها سبيلا

عودتُ نفسي منذ الصِّبا المبكِّر ، وأنا في قريتي ، أن أعتزل كي لا أبتذل ، وأن أنفرد كي لا أزدحم ، وأنشغل بالسفاسف والتوافه والقشور ، وأن أغوص عميقًا في روحي الحيرى القلقة ، مجهدًا عقلي ؛ كي أدخل إلى المعاني الكامنة في القلب .

 

واستفدتُ من عزلتي التي اخترتها سبيلا ، ومصادقتي للكتاب حبًّا لازمني و بقي معي ، ونورًا نافذًا ينير لي الطريق ، كلما انحرفت في ناحية لا تشبهني ، ولم أخلق لها أساسًا ؛ لذلك كبرت داخلي رغم سني الصغيرة وقتذاك ، وأكرمني الله عندما هجمت الشدائد وتوالت المحن ، وما أكثر ما شُفتُ وعاينتُ وعانيتُ ، لكنني سيد الكتمان ، إذ في الصمت علو وارتفاع ، على الرغم من أنَّ شواهد الألم تسطع في مرآتي ، وتنعكس على كلي نفسا وحرفا .

 

وعلى الرغم من أنني لم أتعلم السباحة ، وأخشى البحر وأراه غادرًا ، حتى لو صدق ؛ فإنني أحب أن أغرق في بحر نفسي ، وفي محيط أشيائي ؛ علني أقود سفائن روحي إلى الساحل حتى ولو كان نائيا أو مجهولا ، وحتى لو انكسرت بعضها ، أو حطَّمتها الأمواج ؛ لأن الغرق في الذات إدراكٌ لماهية النفس ومساءلتها والوصول إلى قرارها الأعمق ، حيث عشت أطمح أن أكون من أهل النظر بالدليل والبرهان ، وعادة ما يكون برهاني محمولا على كفتي ميزان قلبي .

 

ومن امتلك برهانه عاين وكشف ما استتر ، وزالت الحجب عن المخفي فيه وعنه ، وترقى في الدرجات ، وطوى المسافات بجناحي براقه إلى المعارج ، وصار في حال الفتح ، ومقام الإلهام .

 

والخسران هو أن يعيش المرء محجوبًا عن نفسه ؛ لأن المحجوب قلبه فارغٌ ، ومصروفٌ عن العشق ، والأشياء ملتبسة عليه ” لكل شئ حقيقة ” ، ومن يتحصَّن بالمعرفة ، تكتب له النجاة ، ويحقق قول أهل الوقت والنظر : ” المحب على الحقيقة من لا سلطان على قلبه لغير محبوبه ، ولا مشيئة له غير مشيئته …” .

 

دع السر مغمورًا ، ولا تكشف إلا إذا حضرت ، واستزد ، وفِضْ ، واقتربْ ، واذهبْ إلى البكْر من المعاني ، ولا تهمل ثيِّبات العلوم ، فالخلق يولد من اتحاد البكر بالثيب .

 

فكأس من تحب كامن في فم القلب ، فعش ذائقًا تائقًا مشتاقا ، يدم لك الشرب ؛ حتى تسكر ، ولا يكن لك صحو أبدا ، وتصل إلى المحل الأعلى .

 

عشتُ أبحث عن الحال التي لا حال بعدها ، وعن المعراج الذي لا معراج بعده ، وعن القول الذي لا يشبهه قول ، وأسعى في الغيوب التي ما بعدها غيوب ، وعن السر العظيم الذي أستريح في سريره ؛ كي أصل من يبقى ، وأهجر من يروغ وتعمى بصيرته ، ولا أقف عند اللوم ؛ لأن من برح لا مطرح له ؛ إذ هو من أهل النسيان والعميان ، يقتات أرز الغفلة ، ويشرب ماء الضلال ، نفسه أرضية ، ولم تصل روحه إلى المرتبة السماوية ، ولم يعش حال الوجد ، وأدرك روحه الجدب والقحط ، ولم تلحق اسمه الدرجة العلية ، وظل في الاسم الدني ، وانعدم وجوده ، وصار محوا .

#أحمد_الشهاوي

#سلاطين_الوجد