ينشر موقع “الخبر الثقافي” مقدمة كتاب “عراق على صفيح ساخن” الصادر عن دار أم الدنيا للدراسات والنشر والتوزيع للكاتب الكوردي شيركو حبيب، التي صاغها الدكتور محمود زايد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، الخبير بالشؤون الكوردية والشرق الأوسط.
الكتاب ضمن باقة من المؤلفات بلغت ١١ كتابا يشارك بها شيركو حبيب، عن الدار، في معرض القاهرة الدولي للكتاب خلال يناير المقبل، ويضم أهم مقالاته بالصحف المصرية خلال السنوات الماضية.
و جاء في مقدمة الكتاب بقلم الدكتور محمود زايد :
ليس من السهل على أي كاتب تناول شؤون العراق المعاصرة تنظيرًا وتحليلاً وتفسيرًا بالشكل الذي يعبر فيه بدقة وموضوعية عمّا يدور في أروقة العراق المتنفذة والفاعلة؛ فحَلَبَة قضايا العراق هي الأكثر تعقيدًا وشائكية في دول المنطقة؛ انطلاقًا وارتباطًا بالظروف التي أُسِّس عليها هذا البلد منذ أكثر من مائة عام، ومرورًا بالسياسات التي تلاطمته وتلاطم هو بها، إضافة إلى الحروب الدموية الداخلية والخارجية التي تورط فيها بلا ناقة أو جمل غير دماره وتراجعه وتعدد وتباين ولاءاته، بالصورة التي أثرت على كيانه، فتجرأت عليه قوى إقليمية وأخرى دولية نيلاً من سيادته واستقلاله ونهبًا لمقدراته وخيراته. وبالتالي لم يهنأ الشعب العراقي المعاصر بما يذخر به بلده من غنى في الثروات وقدرة في الطاقات بالقدر الذي استحوذت عليه تلك الدول الإقليمية والدولية بطرق مقننة وغير مقننة، وباتفاقيات مجحفة غير عادلة تسببت فيها بعض أنظمته الحاكمة ثمنًا لكرسي حكمها، حتى وإن كان على حساب حقوق بعض مكوناته وترابه.
وهذا الكتاب، يُعدُّ غوصًا معرفيًّا وفكريًّا في نحو سبعين مقالا تهدف إلى الأخذ بيد العراق نحو الطريق الصحيح من خلال رؤية المؤلف الذي نجح في اختراق شائكية العراق المتشابكة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا خلال الخمس سنوات الماضية (2020-2025م)، ليس فقط لأن كاتبه من أصحاب الأقلام الفكرية الثاقبة، ولا باعتباره شخصية سياسية متمرسة، ولا لكونه أحد الذين اكتووا بنار تلك السياسات، فذاقوا مرارة اللجوء والتهجير والملاحقات، وإنما أيضًا لكون موضوعات الكتاب معبرة عما يدور في الداخل العراقي بموضوعية دون تجميل أو تشويه، بمعنى أن المؤلف شيركو حبيب الصحفي الكردي العراقي، تمكّن من الإلمام بمواطن الأمراض في الداخل العراقي الساخن والمتأزم في شرق أوسط ملتهب، ونجح في تشخيص هذه الأمراض وتوصيفها ووضع حلول الإنقاذ لها بأسلوب سلس وممنهج وغير معقّد، بما يجعل القارئ ينتقل من نقطة إلى أخرى ومن فكرة إلى أخرى تراتبيًّا وبنائيًّا دون انقطاعٍ أو مللٍ أو غرابة، بصورة تأخذ القارئ إلى نافذة أملٍ تقول: إن للعراق مخرجًا يبحث عمن يملك مفتاحه، وإن له فجرًا يبحث عمن يحمل مصباحه.
إن من أهم ما يؤكد عليه الكتاب، أن هناك إمكانية لإنقاذ العراق من مشكلاته الداخلية والخارجية مهما كانت صعبة ومهما كانت معقدّة إذا توفرت الرغبة الصادقة بإعلاء المصالح العليا على المصالح الشخصية والحزبية والمذهبية والطائفية، إذا تم احترام مواد الدستور الذي توافق عليه الشعب العراقي في استفتاء عام 2005م، إذا كانت السيادة فيه للمواطن أيًّا كان عرقه أو دينه أو مذهبه، وإذا كان ولاء الجميع فيه للعراق الدولة، للعراق التاريخ والحضارة.
يحتوي الكتاب على كثير من الأمور التي تلفت الانتباه، وتجعلنا نقف كثيرًا أمامها، بخاصة النظرة الموسوعية الواضحة للكاتب في كتابه، ونجاحه في تخطي حواجز الحدود السياسية والذهنية من الداخل العراقي والكوردي إلى الرأي العام العربي والدولي، وبالتالي لا تستغرب أبدًا أن تجد بين يديك كتابًا أغلب ما فيه يتحدث عن شؤون العراق، وأكثر من ثلثي مادته سبق وأن نشرها المؤلف في نوافذ صحفية مصرية على رأسها صحيفة الأهرام، بالإضافة إلى مواقع إخبارية أخرى، منها: “الخبر الثقافي”، و” النبأ”، و”بالعربي”. وهو بذلك يُعدُّ أول كاتب عراقي وكوردي يدخل قائمة كتّاب الأهرام المنتظمين. وكأنه يدعو من هذا التوجه الرأيَ العام العربي من خلال أهم منبر عربي وفكري وهو ومصر، إلى الاهتمام بالعراق ومساعدته في خلق واقع ومستقبل مستقر له، فمنطقة الشرق الأوسط تكون قوية بعراق قوي، وتكون ضعيفة بعراق ضعيف. وكأن الكاتب يدعو العراق نفسه من ناحية أخرى إلى فتح باب جديد من العلاقات العراقية العربية يكون أكثر رحابة في مجالي التعاون والتكامل، الذي سيترتب عليه أيضًا تقليص حجم النفوذ السلبي والانتهازي لبعض الدول الإقليمية والقوى الغربية في الداخل العراقي.
لقد كان مؤلف الكتاب سخيًّا في إبراز مكانة مصر ليس في وجدانه هو فحسب، وإنما في وجدان كل الشعب الكوردي عبر التاريخ من منظور دورها المحوري في المنطقة، وأيضًا للعلاقات الوطيدة بين الشعبين المصري والكوردي، التي ترجمتها المواقف التاريخية للعديد من المسؤولين والرؤساء المصريين تجاه الكورد وحقوقهم القومية والوطنية، وعلى رأس هؤلاء الرئيسان جمال عبدالناصر وعبدالفتاح السيسي، وفي المقابل أيضًا مواقف الزعماء الكورد -لاسيما ملا مصطفى البارزاني- تجاه الأحداث والملمات التي مرت بها مصر في النصف الثاني من القرن العشرين.
وبالتالي، أفسح المؤلف في كتابه مساحة توضح كيف كانت مصر صاحبة الريادة في أهم المحطات التاريخية والحضارية الكوردية، ليس بكونه قارئا للتاريخ فحسب، وإنما أيضًا من خلال معايشته بنفسه لبعض الأحداث بحكم عمله السياسي بصفته مسؤول مكتب الحزب الديمقراطي الكوردستاني في القاهرة منذ ثماني سنوات وحتى الآن، وهو أمر أعلى قيمة مصر وشعبها وفنها وأكلاتها أكثر في وجدانه، وظهر ذلك في أقواله وأفعاله. ففي كل المناسبات دائمًا نجد شيركو حبيب يشيد بمصر التي صدرت على أرضها أول صحيفة كوردية «كردستان» في 22 أبريل 1898م في وقت كانت حرية الرأي محرمة وملاحَقة في المشرق، فصار هذا التاريخ عيدًا سنويًّا للصحافة الكوردية. وفي مصر أيضًا وفي السنة نفسها أُسّست أول مطبعة كوردية «مطبعة كردستان». كما يعد الرئيس جمال عبدالناصر أول زعيم عربي يقابل الزعيم الكوردي مصطفى البارزاني عام 1958م. ومن مصر بُثَّت أول إذاعة كوردية، واحتضنت مصر أول ممثل للثورة الكوردية عام 1963م. وكانت أول دولة عربية تفتتح قنصلية لها في أربيل عاصمة إقليم كوردستان العراق، ومن بعدها توالت على النهج نفسه العديد من الدول العربية.
أتمنى أن يجد كل قارئ بغيته في هذا الكتاب، وأن يكون قد أضاف إليه جديدًا عما يدور – لا أقول في المطبخ العراقي – وإنما الطاحونة العراقية متعدد الروافد والأشكال والتوجهات والمكونات والولاءات؛ لعلنا نصل إلى صيغة قريبة تجعل العراق من الدول الريادية المستقرة المزدهرة في المنطقة.
الخبر الثقافي موقع يهتم بكافة النواحي الثقاقية بمختلف مجالاتها وتغطية الأخبار الفنية .