أخبار عاجلة

محمد زنكنة يكتب: مصر وذكريات يستحيل نسيانها

محمد زنكنة يكتب: مصر وذكريات يستحيل نسيانها

أثناء ترتيبي بعض الصور، استوقفتني صور من زيارتي الوحيدة لمصر التي أتمنى أن تتكرر مرارًا وتكرارًا؛ لأتذكر معها الكثير من الأمور الجميلة، والبعض منها مضحك وآخر منها محزن، لكن ما يسعد القلوب يبقى دومًا باقيًا أكثر في الذاكرة.
ولكن، ما الذي يميز مصر عن باقي المناطق المحدودة التي زرتها، والتي بالتأكيد لي معها الكثير من الذكريات؟
تحملوني قليلاً في هذه المراجعة التاريخية..
بائع (القزاز)..
كان مصريًّا (نوبيًّا) يجول مناطق أربيل وأزقتها القديمة، يبيع (الأكواب والأباريق الزجاجية)، ويصيح باللغة الكوردية: (دولكه و به رداغ)، أي أباريق وأكواب، أو (جلاصات). كنا عندما نراه نسأله عن عادل إمام وهو يضحك علينا ويقول: هاسلملكو عليه، هو صاحبي.
أول حلاق..
أول حلاق حلق لي شعري في حياتي كان مصريًّا، كان يعمل في محل قريب من شارع الباتا بأربيل. أتذكر أنني كنت أتحدث معه باللهجة المصرية بكل طلاقة، وكان يضحك مع كل كلمة أقولها.
المنادي في المستشفى في بغداد..
أجريت في العام 1989 عملية جراحية لقدمي بسبب وجود اعوجاج خلقي في العظام، في مستشفى التأهيل الطبي ببغداد، وتحديدًا في شارع أبو نواس. كان فيها شخص يعمل مناديًا للمرضى لمن تأتيه الزيارات أو الأمانات، وكنت أخاف من صوته، وأتذكره كلما أشاهد مسرحية «شاهد ماشافش حاجة» للممثل الذي يصرخ: ينصر دينك يا أستاذ نفيسة.
الحارس في جراج النهضة..
في التسعينات، وتحديدًا في جراج النهضة ببغداد ونحن عائدون من الديوانية ونريد سيارة تعيدنا لأربيل، وكانت حركة السيارات في وقتها من بغداد لكركوك فقط، وبقية الطريق يجب أن نكمله إما بشاحنات (المواشي) – أجلكم الله – أو بسيارة لكل سيطرة (قوة أمنية على الطريق)، أي بعد أن نكمل السيطرة المعينة للجيش العراقي يجب أن ننزل من السيارة لنأخذ سيارة أخرى حيث لم يكن من المصرح للسائقين اجتياز أكثر من هذا الخط المرسوم، وكنت أريد ملأ (ترموس) الماء، سمعت صوت رجل كبير في السن لم ألحظه جالسًا قال لي: رايح فين ياله؟ ولتسهيل عملي قلت له: رايح أجيب مَايّه. سأل: أنت مصري؟ قلت أه، وبابا صعيدي (كنت متاثرًا بمسلسل ذئاب الجبل). وفعلا (سلكت أمري)، بإتقاني للهجة المصرية.
فوزي المصري..
صديق لطالما لن أنساه. كان يعمل في منظمة ميدز، التي كانت تشرف على دورات لذوي الاحتياجات الخاصة في مركز هيلينا في أربيل، وكنت ضمن دورة للخياطة (ووالله نسيت كل شيء منها). كان فوزي شخصًا لطيفًا مسيحيًّا متدينًا، وبرغم صغر سني آنذاك، لكن حبنا لصوت عبدالحليم حافظ جمعنا.
أكثر من محاولة للسفر فشلت..
بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003م، كانت مصر أولى الدول التي حلمتُ يومًا بالسفر إليها، لكن أجور السفر والجروبات السياحية وحتى التأشيرة لم تكن أقل من 2000 – 3000 دولار، وهذا ما سبب لي الكثير من الاكتئاب، وبالأخص أن كثيرًا من أصدقائي الذين تعرفت عليهم على الـ (ياهو ماسنجر)، في حينها كانوا من مصر. لكن وللأسف عندما سافرت إليها، لم أتمكن من رؤيتهم.
عادل إمام..
هو بحد ذاته كان حلمًا بالنسبة لي، حلمًا أن أراه أمامي وأتحدث معه، وأدين بهذا الأمر للصديق العزيز شفان الذي كان سببًا في رؤيتي للزعيم في مؤتمره الصحفي الذي عقده في أربيل عام 2012م، وما أن بدأت في سؤالي إلا وقاطعني: ازايك، عامل إيه؟ بابا عامل إيه؟ ماما إزايها؟ وكأنه يعرفني منذ عشرين عاما، شعرت في حينها أني فعلا في مصر.
فنانون من مصر في أربيل..
تكررت اللقاءات مع فنانين كبار من مصر، أمثال: محمود قابيل، فاروق الفيشاوي، صفية العمري، سامح الصريطي، د. خليل مرسي رحمه الله، وفاء عامر، ايتن عامر، وعدد كبير منهم. وأتمنى حقًا تكرار هذه الزيارات.
حلم تحقق..
الرابع والعشرون من يوليو/تموز 2015م، كان يوما مهمًّا في حياتي، حيث تحقق حلمي بزيارتي لمصر، والأهم من كل ذلك أنني تجولت في تاريخ تعدى آلاف السنين، والتقيت بأصدقاء لي أراهم لأول مرة، لكنني شعرت أننا التقينا عشرات المرات، وكلي أمل أن التقيهم يوما في كوردستان أيضا… وأن تتكرر زيارتي لأم الدنيا.

*الكاتب صحفي وإعلامي من كردستان العراق