خبراء يناقشون واقع و جدوى إعادة تحقيق التراث
في إطار جهود وزارة الثقافة للحفاظ على التراث العربي والإسلامي وإبراز قيمته المعرفية والحضارية، وتزامنا مع الاحتفاء باليوم العالمى للتراث الثقافي غير الماديانطلقت صباح الثلاثاء الموافق 28 أكتوبر 2025م، فعاليات المؤتمر السنوي الخامس لمركز تحقيق التراث التابع للهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، تحت عنوان: «إعادة تحقيق التراث: الواقع والجدوى».
عقد المؤتمر في قاعة علي مبارك بمقر الهيئة على كورنيش النيل – رملة بولاق – القاهرة، ويستمر على مدى يومين، بمشاركة نخبة من الأساتذة والباحثين من الجامعات المصرية والعربية.
ويُقام تحت رعاية الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، وإشراف الأستاذ الدكتور أسامة طلعت رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية ورئيس المؤتمر، والدكتور أشرف قادوس رئيس الإدارة المركزية للمراكز العلمية – أمين عام المؤتمر، وينظمه مركز تحقيق التراث ، ومديره الأستاذ مصطفى عبد السميع – مدير عام المركز ومقرر المؤتمر،
يهدف المؤتمر إلى مناقشة قضايا إعادة تحقيق التراث العربي والإسلامي، وبحث جدوى إعادة نشر النصوص التراثية في ضوء المستجدات العلمية والتقنية، مع التوقف عند دور الذكاء الاصطناعي في خدمة المخطوطات وتحقيقها رقمياً.
الجلسة الافتتاحية
بدأت فعاليات المؤتمر بالسلام الجمهوري، قبيل انعقاد الجلسة الافتتاحية وشارك فيها كل من الأستاذ الدكتور مينا رمزي – رئيس الإدارة المركزية لدار الكتب نيابة عن ا.د. أسامة طلعت رئيس المؤتمر
والدكتور أشرف قادوس – رئيس الإدارة المركزية للمراكز العلمية وأمين عام المؤتمر،
والأستاذ مصطفى عبد السميع – مدير عام مركز تحقيق التراث ومقرر المؤتمر،
بحضور لفيف من الباحثين والمتخصصين في مجال تحقيق التراث.
وبدأت الجلسة الافتتاحية بكلمة الدكتور أشرف قادوس، الذي عبّر عن تقديره العميق للأستاذ الدكتور أسامة طلعت – رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية ورئيس المؤتمر – مشيرًا إلى حرصه المستمر على دعم الأنشطة العلمية للهيئة، والمحافظة على انتظام فعالياتها ومؤتمراتها العلمية دون انقطاع منذ توليه المنصب، مع تطويرها وتوسيع نطاقها بما يواكب متطلبات المرحلة الراهنة.
كما قدم الدكتور قادوس شكره للباحثين بمركز تحقيق التراث على ما بذلوه من جهدٍ في تنظيم الدورات السابقة من عمر هذا المؤتمر منذ انطلاق فكرته الأولى عام 2019، بمبادرة من الدكتورة نورا عبد العظيم الباحث بالمركز ، مثمنًا الدور الكبير للجنة العلمية في الإعداد لفعاليات هذا الحدث السنوي الذي أصبح منبرًا علميًا ثابتًا للباحثين في مجال التراث.
ثم ألقى الأستاذ مصطفى عبد السميع – مقرر المؤتمر ومدير عام المركز – كلمته، التي سلط فيها الضوء على جهود الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية في تحقيق رسالتها الوطنية من خلال إداراتها المتعددة، سواء في الإيداع والفهرسة والمكتبات الفرعية أو من خلال المراكز العلمية المتخصصة، وعلى رأسها مركز الترميم ومركز تحقيق التراث، مؤكدًا أن هذه الجهود تتكامل جميعها لخدمة الكتاب والباحثين والذاكرة الوطنية، مقدمًا شكره إلى جميع من أسهم في إنجاح المؤتمر وتنظيمه.
واختُتمت الجلسة بكلمة للأستاذ الدكتور مينا رمزي، رئيس دار الكتب نيابة عن ا.د. أسامة طلعت، حيث تناول فيها أهمية المؤتمر وموضوعه، موضحًا أن اختيار عنوان «إعادة تحقيق التراث: الواقع والجدوى» يعكس وعيًا علميًّا بقضية محورية تشغل الباحثين في هذا المجال، لما تتضمنه من تساؤلات حول تجديد منهج التحقيق وضبط معاييره، وأكد أن المؤتمرات العلمية تُعد أحد أشكال التواصل المباشر بين الباحثين والأكاديميين، وفرصة لتبادل الخبرات وتطوير أدوات العمل في مجال تحقيق التراث، بما يعزز مكانة دار الكتب كمؤسسة بحثية وثقافية رائدة.
وقدمت الجلسة الافتتاحية الدكتورة إجلال علي – باحث أول تحقيق التراث – التي رحّبت بالحضور وأدارت فقرات الجلسة الافتتاحية بكفاءة وتنظيم
استُهلت فعاليات المؤتمر بأعمال الجلسة الأولى، التي خُصصت لمناقشة قضايا إعادة تحقيق النصوص اللغوية والنحوية، ومعايير التفرقة بين الجِدة والتكرار في التحقيق.
شارك في الجلسة كل من: الأستاذ الدكتور عبد الكريم محمد جبل أستاذ العلوم اللغوية بكلية الآداب – جامعة طنطا، والخبير بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، وقدم بحثًا بعنوان: «كتاب الغريبين لأبي عُبيد الهَرَوِي بين تحقيقين»، عرض فيه مقارنة بين تحقيقين معاصرين لكتاب «الغريبين»، موضحًا أن إعادة التحقيق لا تُعد تكرارًا ما دامت تستند إلى نسخ جديدة أو أدوات علمية حديثة، وأن الغاية منها خدمة النص وضبطه على نحو أدق.
أما الأستاذ الدكتور أحمد عفيفى أستاذ ورئيس قسم النحو والصرف والعروض – كلية دار العلوم – جامعة القاهرة، شارك بورقة بعنوان: «إعادة التحقيق بين الجِدَّة والادعاء: المنظومة النحوية للفراهيدي أنموذجًا»، استعرض فيها تجربته في تحقيق المنظومة النحوية المنسوبة إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي، مؤكدًا أهمية التثبت من نسب النصوص إلى مؤلفيها، واعتماد المنهج العلمي القائم على مقارنة النسخ وتحقيق الأسانيد.
و الدكتور سليمان محمد إبراهيم البلكيمي، مدرس النحو والصرف والعروض – كلية التربية – جامعة 6 أكتوبر، قدم بحثًا بعنوان: «رحلة مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام في التحقيق، من محيي الدين إلى فخر الدين»، تناول فيه تطور تحقيق هذا الكتاب النحوي الكبير عبر العقود، مشيرًا إلى ضرورة توجيه الجهود نحو النصوص التي لم تُحقَّق بعد بدلًا من تكرار النشر دون مسوغات علمية.
وخلصت الجلسة إلى التأكيد على أن إعادة التحقيق ضرورة علمية متى قامت على أسس دقيقة، مع الدعوة إلى إعداد قاعدة بيانات موحدة للمخطوطات، ووضع ميثاق علمي للتحقيق يضمن سلامة العمل واستمراريته.
تواصلت أعمال المؤتمر بعقد الجلسة الثانية التي خُصصت لمناقشة قضايا إعادة تحقيق النصوص التاريخية والجغرافية، بمشاركة أساتذة من مصر والجزائر، بمشاركة الأستاذ الدكتور أيمن فؤاد سيد
أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة – جامعة الأزهر، قدم بحثًا بعنوان: «إعادة تحقيق النصوص التاريخية والجغرافية»، تناول فيه مكانة كتب التاريخ في الثقافة الإسلامية، مؤكدًا أن العديد من المصادر التي نُشرت في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بحاجة إلى إعادة نشر علمي يعتمد على نسخ موثقة وكشافات تحليلية حديثة.
أما الأستاذ الدكتور محمد علي دبور
أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية – كلية دار العلوم – جامعة القاهرة، شارك بورقة بحثية بعنوان: «إعادة تحقيق كتاب الدوحة المشتبكة في ضوابط دار السكة لابن يوسف الحكيم (ت776هـ): دراسة في الدواعي والمستجدات»، استعرض فيها أهمية الكتاب في توثيق صناعة النقود الإسلامية بالمغرب الأقصى، موضحًا أوجه القصور في فمه الطبعات القديمة، والدوافع التي استوجبت إعادة تحقيق النص على نسخ خطية كاملة ودقيقة.
و الأستاذ الدكتور حاج بنيرد
جامعة مولود معمري – الجزائر (مشاركة عن بُعد)، قدم دراسة بعنوان: «النصوص النادرة في كتب التراجم وأثرها في تحقيق النصوص: برنامج ابن جابر الوادي آشي (ت749هـ) أنموذجًا»، تناول فيها الدور الخفي لكتب التراجم في حفظ نصوص نادرة من الشعر والعلم والتاريخ، داعيًا إلى استثمار هذه النصوص في ترميم التراث الضائع بالغرب الإسلامي.
وأوصت الجلسة الثانية بأهمية الجمع بين التحقيق العلمي والرقمنة الحديثة، وتكامل الجهود بين الباحثين العرب لإخراج النصوص التاريخية والجغرافية في صيغ موثقة ومتكاملة.
اختتمت جلسات اليوم الأول بالتأكيد على أن إعادة تحقيق التراث العربي والإسلامي تمثل ركيزة أساسية في تجديد المعرفة التاريخية واللغوية، وأن العمل في هذا المجال لا بد أن يقوم على مؤسسات علمية متعاونة تجمع بين الخبرة الأكاديمية والتقنيات الرقمية الحديثة.
ويستكمل المؤتمر جلساته غدًا الأربعاء 29 أكتوبر 2025م، بمناقشة عدد من المحاور حول الذكاء الاصطناعي في خدمة تحقيق المخطوطات، وأخلاقيات التحقيق والنشر، والتحقيق الجماعي بوصفه نموذجًا مؤسسيًا لتوثيق التراث.
الخبر الثقافي موقع يهتم بكافة النواحي الثقاقية بمختلف مجالاتها وتغطية الأخبار الفنية .