أخبار عاجلة

حاتم عبدالحكيم يكتب : كيف تساهم “ترندات النت اليومية” في تخدير الوعي وصرف الانتباه عن القضايا الجوهرية

في مشهد يعكس تحولاً مقلقاً في أولويات الإعلام والمجتمع، برزت قصة الطفلة “هايدي” التي تبرعت بثمن كيس شيبسي لمحتاج، لتصبح حدثاً إعلامياً طاغياً على منصات التواصل.
ورغم نبْل التصرف في ذاته، إلا أن هذا التضخيم المبالغ فيه لموقف بسيط يدفعنا للتساؤل: كيف تحتل أمور عادية – بل وتافهة في الأغلب – حيزاً إعلامياً يفوق بكثير ما تحظى به قضايا مصيرية تمس حاضر الأمة ومستقبلها؟

الفعل نفسه يعبّر عن قيم التعاطف والمشاركة التي تزرعها التربية السليمة، لكن تحويله إلى “ترند” إعلامي يُختزل فيه معنى الإنسانية في لحظة عابرة، ويُستغلّ تجارياً وإعلامياً، مما يفرغ القيم الأصيلة من مضمونها ويحولها إلى سلعة مؤقتة.

لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعداه إلى جدالات لا تنتهي حول تفاصيل حياة المشاهير وخلافاتهم العائلية العلنية، والتي لا تُنتج سوى مزيد من الفجوات والصراعات، وتستنزف طاقة الجمهور في نقاشات عقيمة.
ومما لا يسعدنا مطالعة أخبار متجددة حول من ذبح فلان في الشارع ، وعامل نظافة تم طرده من هنا وهناك ، وفلان قتل ، ومن تعمد إصابة وقتل أشخاص لهويتهم الدينية ، كما تروج هذه المنصات صورة وهمية عن “الخير”، من خلال الاحتفاء بأفعال فردية عابرة، بينما يتم تجاهل المعالجة الجذرية لقضايا مثل الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، وكيفية بناء أنظمة دعم حقيقية للمحتاجين والمعدومين.
وهكذا، تحتل الترندات الوهمية والمفتعلة المساحة الأكبر، بينما تُهمَّش قضايا التعليم والصحة، والقضايا العربية المصيرية، وسبل مواجهة التحديات الحقيقية.

وراء هذا كله عوامل عدة، أبرزها الرغبة في الهروب من واقع مليء بالضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يسهل عملية توجيه الرأي العام واستهلاك وقته وطاقته فيما لا يفيد،والتعطش لصنع أبطال من لا شىء مع تجهيل القدوة ومحاولة انعدامها طوال الوقت ، وعوامل أخرى قد تكون سياسية وتجارية .

في مقالات سابقة، دعوت إلى ضرورة إعمال العقل والبحث عن ثقافة جماعية بناءة، وأكدت على دور الإعلام والصحافة في الإضافة للمجتمع، من خلال تقديم محتوى هادف يُعنى بالأسرة والتنشئة السليمة، ويسلط الضوء على قضايا الصحة النفسية للشباب، ويقدم لهم العلم والمعرفة بدلاً من الزيف الذي يدمّر نفسياتهم.

ففي عصرنا الحالي، انتشرت الأخبار والمحتوى الذي يُصنع فقط لجذب المشاهدات والمتابعات، بينما تُختزل البرامج الهادفة والدراما الراقية إلى مساحات ضيقة، ليتم تغذية المجتمع بالبلطجة وقيم الانحدار وغرس الكراهية.

كلمة السر في حل هذه الأزمات المجتمعية – من عنف وفساد – تكمن في عدة ركائز:
· الاهتمام بالتعليم: فهو أقوى أسلحة التغيير، من خلال بناء المدارس المجهزة ودعم المعلمين الذين يؤدون رسالة سامية.
· بناء الأسرة: وتوفير الاستقرار الاقتصادي الذي يمكّنها من تربية إنسان متكامل.
· خطاب ثقافي وفني ملهم: يقدّم النموذج السوي ويشجع على الخير والنفع العام.
· خطاب ديني وسطي: يحقق السلام الداخلي والاجتماعي.
· إعلام هادف: (إذاعة، تلفزيون، صحف) يرفع الوعي وينقل هموم الناس ويفتح مجالاً للنقد البناء.
· استغلال الإنترنت ووسائل التواصل: في التغذية المعرفية وإبراز النماذج المتميزة والموضوعات المثمرة، بدلاً من الترندات التافهة.
· استثمار المساحات العامة: بنشر الحكمة والفنون الملهمة في الشوارع والمباني الحكومية والمكتبات.

فالأمر ليس صراعاً على الترند، بل هو معركة وعي ومستقبل.