دائما ما نجد الزعيم الكردي مسعود بارزاني داعيا جميع الأطراف العراقية للتمسك بالدستور والعودة إلى مبادئ الشراكة و التوافق و التوازن كأساس لتحقيق الاستقرار وحماية فيدرالية العراق الاتحادي، ما يعكس دوره في تثبيت الديمقراطية وتأصيل فرص التآخي و العيش المشترك.
فالرجل المولود في 16 أغسطس عام 1946، لعائلة نضالية و أب يفخر الكورد كافة بتاريخه واستقبلته مصر عام 1958 في زيارة أعرب فيها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن تقديره له وقضية شعبه القومية، عايش أزمنة وعصور وحروب بعيدة، جعلت منه مرجعية لقادة المنطقة متى نظروا إلى مستقبل العراق أو سعوا لقراءة واقعه بحيادية، فقد شهد اضطهاد الأنظمة السياسية للكورد في العراق، مرورا بمحنة البلد كله في حرب الثماني سنوات مع إيران، و كارثة احتلال الكويت، و جريمة الأنفال، وحصار دام ١٣ سنة للأبرياء حتى سقوط نظام البعث في التاسع من أبريل عام ٢٠٠٣، ثم النضال لأجل دستور بلد اتحادي نال إقليم كردستان من خلاله حكما فيدراليا عام ٢٠٠٥ ، وخلال عقدين ماضيين لم يخل العراق من أزمات الداخل، قوى سياسية تبحث عن قسمة مبنية على الخسارة، وحروب مع اقتصاد متراجع رغم الثروات الضخمة للبلد، ومع داعش تارة والكورونا تارة أخرى، بينما يتمسك الزعيم الذي ترأس الإقليم بين ٢٠٠٥ و ٢٠١٧ حتى تفرغ لرئاسة الحزب الديمقراطي الكردستاني، بمبادئ واضحة لا حياد عنها.
تلك المبادئ تجدها منحازة لوطن موحد مستقل، داعمة لأمن رافضة لفرقة، تسهل عملية الحكم الرشيد وتخدم التعايش بين شعوب وأعراق جمعتهم أرض جديدة بحدود سياسية صنعها وابتدعها الاستعمار القديم قبل قرن وعقد، تنفي مواقفه أي ادعاءات أو اجتهادات تحتل موضع الديمقراطية لحسابات معقدة، وتعتبر الصندوق عامل حسم في المنافسة السياسية ومن ثم لا حياد عن نتائجه في تأكيد واقع مختلف بعد كل استحقاق انتخابي يشارك فيه المواطنون.
بهذه الرؤية؛ تجد حزب البارزاني متصدرا المشهد الانتخابي والسياسي معا، والنتائج واضحة تعكس قدرته، لكن تجد العراق وكردستان في حالة جفاف سياسي بلا حراك قريب عاجل بعد كل انتخابات، لدرجة يسأل معها المواطن كل الفرقاء السياسيين بعد كل نتيجة : أين تشكيل الحكومة ولمن تكون حقائب الوزارات طالما أنجزنا مهمتنا بالتصويت والتعبير عن الرأي؟.
ولأن زمار الحي لا يطرب كما يقول المثل المصري، وإكرام الرسل لم يكن في أهلهم وأوطانهم كما جرت العادة العربية، تجد قيمة كردستان خلال العقد الأخير بالأخص، معلومة تماما بالنسبة لدول العالم والمنطقة، وترى الزعيم بارزاني حاضرا في أعينهم كمرجعية لفهم وتفسير ما يدور وما يحتمل أن يشهده المستقبل القريب العاجل أو البعيد، حتى الأنظمة العتيقة أو الناشئة، تعرف قيمة رأيه و رؤيته، وتقدم على طلب النصح عندما تتعقد الأمور أمامها، وبغداد ذاتها ظلت تعرف قيمة ابتعاده أو حضوره الشخصي إليها كفرصة تاريخية لإنهاء خلافاتها مع أربيل.
العراق؛ بمن فيه من قادة لكل فريق و تيار، يعرف أن أقصر الطرق بين نقطتين هو السير في خط مستقيم، ولو أن حالة الاعوجاج السياسي تلك التي يصر عليها البعض متبجحين بمناصرة قوى خارجية أو متمسكين بالإبقاء على إرث ديكتاتوري ماض، ظلت تحكم العلاقات الداخلية للبلد غير السعيد منذ نشأته، سيكون الندم نتيجة حتمية حال خسارة وجود الحكماء الممسكين بزمام أمور شعبهم، والمتعقلين في حساباتهم مع التاريخ والحاضر والمستقبل.
تمر السنون؛ وتشرق الشمس كل يوم على واقع جديد، نأمل فيه احتفاظ العراق، ومكوناته المتنوعة، بكافة مكتسباته من نظام الحكم الاتحادي الفيدرالي، وفهم ساسته ما يحاك لدول المنطقة من مؤامرات، منذ استعراض إسرائيل قوتها مؤخرا وفرضها مع أمريكا لواقع جديد على القضية الفلسطينية، ثم سوريا ولبنان، وإيران، بينما العراق في قلب اللعبة تقف حدوده في حاجة لمن يحميها، في حاجة لجيش البلد وبيشمركة الإقليم، لقرار حكومة مركزية، وحكمة الزعيم بارزاني وحنكته في إدارة المشهد، وقد انتقل بالكورد إلى موقف الفاعل منذ قيادته الحرب ضد داعش الإرهابي، تلك الفترة التي أكدت مع تعقد المواقف السياسية في الداخل العراقي أن مبادئ الزعيم الحر تقود إلى وطن مستقر، ولنا عودة في الكتابة لاحقا عن أسباب أخرى للبقاء في عالم متغير تعصف تقلباته بالأضعف، أو لنقل؛ بمن لا يملكون مرجعية.
