أخبار عاجلة

حكيم جماعين يكتب: جاليرى “ضي” يتزين بإبداعات الخريجين ويحتفى بالحاصلين على جوائِزه

حكيم جماعين يكتب: جاليري “ضي” يتزين بإبداعات الخريجين ويحتفي بالحاصلين على جوائِزه

يرى “كانت” أن الإبداع الفني فعل حر نابع من العبقرية، لكن المسابقة تُدخل عنصر الحكم والمعيار.
بينما يؤكد “هيغل” أن الفن لا ينفصل عن الروح الجماعية للعصر، والمسابقات تمثل تعبيراً عن هذه الروح وتنظيمها.
ظهرت مسابقات الشباب في الفنون التشكيلية مع بدايات القرن العشرين، متزامنة مع توسّع التعليم الفني وظهور المعاهد والأكاديميات الفنية في أوروبا ثم في العالم العربي.
كان الهدف الأول منها اكتشاف المواهب ودعم الأجيال الجديدة خارج الأطر الأكاديمية الصارمة، ثم تطورت لاحقًا لتصبح أدوات ثقافية ترعاها الدول والمؤسسات الفنية والمتاحف.

في العالم العربي، بدأت هذه المسابقات بالظهور الواضح في منتصف القرن العشرين، خصوصًا مع مشاريع بناء الهوية الثقافية الوطنية حيث استُخدم الفن كوسيلة لتأكيد الخصوصية الثقافية وربط الحداثة بالجذور التراثية.
هذه العروض الشبابية التشكيلية ليست مجرد حدثا فنيا، بل ممارسة ثقافية وفلسفية تعكس علاقة المجتمع بالإبداع، وبالشباب تحديداً. نجاحها الحقيقي يكمن في قدرتها على الموازنة بين الحرية الفنية والدعم المؤسسي، وبين التنافس والتجربة الإنسانية العميقة، و معارض خريجي الفنون الجميلة ليست مجرد حدثا عرضيا، بل هي مشروع ثقافي وتربوي يهدف إلى صناعة فنان واعٍ بدوره، قادر على التواصل مع مجتمعه، والإنخراط في المشهد الفني المعاصر. ويُعد حْسن التنظيم عنصراً أساسيًا لترجمة هذه الفلسفة إلى تجربة فنية ناجحة ومؤثرة.
وهنا لا يسعنا الا الوقوف أمام تجربة جاليري ضي في عرضِها السنوي لمشاريع تخرج فنون جميلة، والذي أصبح يشكل ملتقى المبدعين ومصدرهم كذلك، فعادة واستناداً إلى دورات سابقة خرج من هذه الاحتفالية كثير هم نجوم اليوم من الشباب، حيث تعدْ هذه المعارض وسيلة لإكتشاف الفنانين الواعدين من قبل النقاد، القيّمين الفنيين، وصالات العرض، بما يفتح آفاق الدعم والاحتضان.
وتؤسس هذه الملتقيات والمعارض جسرًا بين الدراسة الأكاديمية والممارسة المهنية، إذ يتعلّم الخريج كيفية عرض أعماله، والتعامل مع الجمهور والنقاد وسوق الفن.
في إتاحتها هذه الفرصة أمام شباب الخريجين إنما يؤكد جاليري ضي، أن إتاحة العروض للشباب تعني الاعتراف بالفن بوصفه حقاً من حقوق التعبير الاجتماعي، لا حكرًا على أسماء معروفة أو مؤسسات مهيمنة، فالشباب يمثلون الشريحة الأكثر ديناميكية في المجتمع، وحرمانهم من المنصات يعني تعطيل طاقاتهم الرمزية. و إتاحة العروض تعيد توازن الحقل الثقافي (وفق تصور بيير بورديو)، وتمنح المهمّشين فرصة الظهور والمشاركة في صناعة المعنى، فالعروض الشبابية لا تعبّر عن ذوات فردية فقط، بل تكشف عن قلق جيل كامل و أسئلته الوجودية و علاقته بالتكنولوجيا، وبذلك يصبح المعرض مساحة لتشكّل وعيا جمعيا بصريا يعكس تحولات المجتمع.
في الفلسفة التأويلية (غادامير)، يتحقق معنى العمل الفني عبر الحوار. إتاحة العروض للشباب والتي تخلق حوارًا بين الأجيال جدلًا بين الرؤية الفردية والمتلقي مساءلة للواقع بدل تزيينه، وهكذا تؤسس مؤسسة أتيليه العرب برئاسة الناقد التشكيلي هشام قنديل، لأن يصبح العرض سؤالا مفتوحا لا إجابة نهائية .

*الكاتب فنان وناقد تشكيلي