أخبار عاجلة

متخصصون يناقشون الهوية واللغة العربية في دار الكتب

متخصصون يناقشون الهوية واللغة العربية في دار الكتب

أحمد عفيفي: اللغة العربية بوصفها المؤسس الحقيقي لقيم الهوية والانتماء

عبد الكريم جبل: اللغة العربية: لغة الدين والقومية والحضارة وآفاقها العالمية

في إطار احتفاء وزارة الثقافة باليوم العالمي للغة العربية، نظمت دار الكتب والوثائق القومية، برئاسة الأستاذ الدكتور أسامة طلعت، ندوة علمية بعنوان «اللغة العربية وتعزيز مقومات الهوية»، وذلك بقاعة علي مبارك، بحضور نخبة من الأساتذة والباحثين والمهتمين بقضايا اللغة والهوية.

شارك في الندوة كل من الأستاذ الدكتور أحمد عفيفي، والأستاذ الدكتور عبد الكريم جبل، وأدار فعالياتها الأستاذ الدكتور أيمن فؤاد سيد.

بدأت الندوة بعزف السلام الجمهوري، أعقبه تقديم من الأستاذ الدكتور أيمن فؤاد سيد، الذي رحب بالحضور، مؤكدًا أهمية الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية بوصفه مناسبة لتجديد الوعي بقيمتها الحضارية ودورها المحوري في حفظ الهوية الثقافية للأمة.

ثم انتقلت الكلمة إلى الأستاذ الدكتور أحمد عفيفي، الذي استهل حديثه بالتأكيد على أن اللغة العربية تمثل المؤسِّس الحقيقي لقيم الهوية والانتماء، موضحًا أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي وعاء الكينونة الإنسانية وعنوان الوجود، وقال إن الإنسان لا يمكن أن يتشكل وعيه أو تتحدد ملامح شخصيته خارج إطار لغته الأم، لأنها تسكنه كما يسكنها.

وأضاف أن الشعور بالهوية والانتماء يمنح الإنسان القوة والمنعة، مشيرًا إلى أن اللغة تأتي في مقدمة مقومات الهوية، تسبق غيرها من المقومات الدينية أو الاجتماعية أو الجغرافية، باعتبارها الرابط الأعمق والأكثر رسوخًا بين أفراد الأمة.

وأشار إلى أن العلاقة بين اللغة والهوية علاقة وجودية، موضحًا أن الأمم الواعية تحرص على حماية لغاتها وصيانتها؛ لأنها الضامن الحقيقي لاستمرار وجودها الثقافي والحضاري، لافتًا إلى أن إهمال اللغة يقود حتمًا إلى الضعف وفقدان التماسك المجتمعي.

وأكد الدكتور أحمد عفيفي أن اللغة العربية تمتلك قدرة فريدة على تجسيد القيم المتجذرة في الوجدان العربي، وتسهم في بناء الوعي الجمعي، وصناعة الشعور المشترك بالانتماء، موضحًا أن اللغة تصنع روابط فكرية وشعورية بين أفراد المجتمع، وتوحدهم حول تاريخ وثقافة ومصير واحد.

وتناول في كلمته مستويات الهوية، بدءًا من الهوية الفردية وصولًا إلى الهوية القومية، مشددًا على أن اللغة تمثل الخيط الناظم بين هذه المستويات جميعًا، كما أشار إلى دور اللغة في رسم الحدود الثقافية والجغرافية، مؤكدًا أن كثيرًا من التجارب العالمية أثبتت أن اللغة عامل حاسم في تشكيل الكيانات القومية.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن الحفاظ على اللغة العربية هو حفاظ على الهوية والوجود والكينونة، داعيًا إلى ضرورة تبني استراتيجيات ثقافية ولغوية واعية، وتفعيل دور المؤسسات التعليمية والإعلامية في ترسيخ مكانة العربية في نفوس الأجيال الجديدة، وتعزيز قيم الولاء والانتماء للأمة.
ثم جاءت كلمة الأستاذ الدكتور عبد الكريم محمد جبل، أستاذ العلوم اللغوية بكلية الآداب جامعة طنطا، وعضو اللجنة العلمية بمركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية، حيث تناول خلالها أوجه أهمية اللغة العربية ومكانتها المتعددة.

وقال الدكتور عبد الكريم جبل إن أهمية اللغة العربية تتجلى أولًا في بعدها الديني، فهي لغة الإسلام عقيدةً وشريعةً، وحاملة للنصوص المقدسة التي شكلت وجدان الأمة وثقافتها عبر العصور، وأضاف أن للغة العربية أهمية قومية كبرى، إذ تمثل الرابطة الجامعة التي تصل بين دول العالم العربي كافة، وتُسهم في توحيد الشعور القومي وتعزيز الانتماء المشترك.

وأشار إلى أن أهمية اللغة العربية لا تقتصر على الجوانب الدينية والقومية فحسب، بل تمتد لتشمل الأبعاد الاقتصادية والسياسية والحضارية والعلمية، مؤكدًا أن هذه المكانة الرفيعة جعلت اللغة العربية محل اهتمام عالمي، حيث تضم كبرى الجامعات الدولية أقسامًا متخصصة لدراستها، مثل جامعات هارفارد وأكسفورد وكامبريدج.

وأضاف أن من أبرز خصائص اللغة العربية قدرتها الفائقة على التطور الدلالي السلس، الذي يمكن مفرداتها من استيعاب مستحدثات الحضارة المعاصرة بشقيها المادي والفكري، دون أن تفقد أصالتها أو بنيتها العميقة.

وأوضح الدكتور عبد الكريم جبل أن الإقبال على دراسة اللغة العربية يشهد تزايدًا ملحوظًا في عدد من الجامعات خارج العالم العربي، مستشهدًا بما تشهده بعض الجامعات الصينية من اهتمام كبير بالعربية، حيث يُعد قسم اللغة العربية في كلية اللغات الأجنبية بجامعة القوميات في شمال غرب الصين أكبر أقسام الكلية من حيث عدد الطلاب.

وأشار كذلك إلى مكانة العامية المصرية، موضحًا أنها تُعد امتدادًا للفصحى، وأنها من أكثر اللهجات العربية انتشارًا وفهمًا لدى أبناء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.

وفي ختام كلمته، دعا إلى تعزيز استخدام اللغة العربية الفصحى في وسائل الإعلام المختلفة، ولا سيما في المجالات الإذاعية والتلفزيونية والصحفية، مؤكدًا ضرورة أن تكون العربية هي اللغة الأولى في هذه المجالات، وألا تُزاحمها العامية على حساب حضور الفصحى ومكانتها.

واختتم حديثه بالدعاء أن يحفظ الله اللغة العربية ويبارك فيها، باعتبارها وعاء القومية العربية وجوهر الهوية الثقافية للأمة.