أخبار عاجلة

الدكتور محمود زايد يكتب: دعوة إلى استلهام دلالات يوم علم كُـوردستان في ذكراه الـ 79

الدكتور محمود زايد يكتب: دعوة إلى استلهام دلالات يوم علم كُـوردستان في ذكراه الـ 79

في كل سنة، لا يمرّ يوم السابع عشر من ديسمبر على الشعب الكوردي كغيره من الأيام؛ إذ يمثل ذكرى وطنية مجيدة في تاريخهم تتجسد فيه راية لاتزال عالية رغم ما مرت به من تحديات وعراقيل إباديّة وتسلطية عدوانية خطيرة، لكن إرادة حاملي هذه الراية تمكنت من الثبات الصمود، ونجحت في الدفاع عنها وإبقاء شموخها تواصل مهمتها نحو الحرية والديمقراطية والطموح الذي يتوق إليه الكورد ساعة بعد ساعة، ولحظة بعد لحظة.
في هذا اليوم من كل عام، أي يوم 17 ديسمبر، يحتفل الشعب الكوردي بـ «يوم علم كوردستان»، وتعود قصته إلى عام 1946م عندما أعلن قاضي محمد في 22 ديسمبر من مدينة مهاباد بشرقي كوردستان عن تأسيس جمهورية كُوردستان، ورفع علمها للمرة الأولى في مشهد تاريخي ووسط احتفال كبير وأمام حشد من الجماهير الغفيرة في ساحة «چوار چرا» التي تعني «المشاعل الأربعة» في العاصمة مهاباد وتحت قيادة قاضي محمد الذي انتخب رئيسًا لهذه الجمهورية.
ومع أن عمر جمهورية كوردستان لم يطل أكثر من 11 شهرًا بسبب تآمر سوفيتي إيراني بريطاني أمريكي على إجهاضها، إلا أن علَمَها ظل صامدًا بعد أن سلّمه قاضي محمد في ملحمة نضالية قبيل إعدامه إلى رئيس أركانه «ملا مصطفى البارزاني» في يوم 17 ديسمبر 1946م وأوصاه بالمحافظة عليه.
لأجل ذلك، سلك الشعب الكوردي طريق النضال والكفاح بكل ما أتوا من قوة للحفاظ على هذه الراية من عمليات القتل والغدر والنفي التي لحقت بهم، وبفضل تضحياتهم وإخلاصهم وقفت رايتهم بقوة أمام قساوة المواجهات وشدتها بدءًا من ثورة أيلول فكولان، ومرورًا بوحشية عمليات الأنفال ومواجهات انتفاضة مارس/آذار 1991م وما بعدها من أحداث.
وتقديرًا لذلك، أقرّ برلمان إقليم كوردستان في جلسة 11 نوفمبر 1999م شكلَ العلم كعلم رسمي للإقليم، وعدّ يوم 17 من ديسمبر من كل عام «يوم علم كورستان». ومن يومها يحتفي الكورد بعلمهم في هذا اليوم، بعد أن تتزين جميع محافظات إقليم كوردستان بالعلم منذ اليوم السابق.
يتكون علم كوردستان من ثلاثة ألوان رئيسية. الأحمر فيه يرمز إلى الفداء والدم الذي قدمه الكورد ضد سياسات الظلم والاستبداد وسعيًا نحو الحرية والاستقلال. والأخضر يرمز إلى طبيعة كوردستان الخضرة الخلابة. والأبيض يرمز إلى شخصية الكورد الذين يُعلون قيم السلم والأمان وفضيلة التسامح والتعايش. وبوسط العلم يوجد شعار عبارة عن شمس صفراء اللون ترمز إلى الديانات القديمة للكورد، ولهذه الشمس 21 شعاعاً يرمزون إلى يوم 21 مارس الذي يحتفل فيه الكورد بعيدهم القومي/عيد نوروز.
إن أيّ متابع للشأن الكوردي يلحظ أن استعدادات مواطني كوردستان للاحتفال بيوم علمهم هذا العام تختلف نسبيًّا عن الأعوام الماضية؛ إذ تقرأ على أعينهم وتسمع من ألسنتهم مطالباتهم الحثيثة لمسؤوليهم بضرورة استلهام روح هذه الذكرى، واستذكار التضحيات الكبيرة التي قدمت في سبيلها على مدى الـ 79 سنة الماضية؛ ليس فقط للحفاظ على هذه الراية وما صارت عليه، وإنما لمزيد من ترقيتها سياسيًّا ودستوريًّا إلى درجة أعلى مما هي عليه الآن، فلا يعقل أبدًا، أن يمارس المواطنون الكورد أدوات الديمقراطية ولا يتم احترام نتائجها، ولا تطبيق مقتضياتها على أرض الواقع حتى تستمر قاطرة سياسات الإصلاح والتنمية والإعمار في الإقليم، ويتم دعم أشقائهم في المناطق الكوردستانية الأخرى بما هو متاح ووفق الآليات القانونية.
إن هذا الطريق يبدأ من وحدة الصف الكوردي الداخلي، وإعلاء المصالح العليا على أي مصالح شخصية وحزبية، واحترام إرادة وأصوات الناخبين وقبولها، والعمل وفق نتائجها. هذه هي الديمقراطية التي ارتضتها الأمم والشعوب لأنفسها، وليس من الديمقراطية في شيء أن تجرى انتخابات برلمانية شهد لها الجميع بالنزاهة ولا يتم تشكيل الحكومة وقد مر أكثر من سنة وشهرين! على ماذا؟ أن هناك أطرافًا تريد من الحقائب الوزارية بما لا يتناسب مع حجم نتائجها في الانتخابات!
إن وحدة الصف الداخلي هي من ستمنع سياسات التمييز العنصري والمذهبي ضد الكورد، وستوقف سياسات قطع الأرزاق، وتدمير المرافق والمنشآت، وتقرّب وجهات النظر بين الأحزاب، وستحبط محاولات إشعال الفتنة الداخلية، وستجفف روافد التدخلات الخارجية المقيتة وتقلص نفوذها على بعض الأحزاب والتكتلات داخل العراق؛ وبالتالي تتضاعف جهود التنمية الإعمار في الإقليم، وتعزز مخططات اعتماد الإقليم على نفسه بإنتاج حاجياته وضرورياته.
إذا كان هناك من إفادة في إحياء ذكرى يوم علم كوردستان، فلابد من استلهام مقاصد هذه الذكرى بالاتحاد تحت رايتها، مهما اختلفت التوجهات وتنوعت خطط العمل السياسي. ويبدو أن هذا ما كان يقصده قاضي محمد الذي هو من روجهلات في فلسفته في تسليم الراية لملا مصطفى الذي هو من باشور؛ فليست القضية فيمن يتولى الراية، المهم فيمن يعمل تحت رايتها وبمظلة الاتحاد والتوافق لتظل مرفوعة خفاقة. إن هيبة علم كوردستان كرامته من هيبة وكرامة جميع موطنيه.