الخبر الثقافي موقع يهتم بكافة النواحي الثقاقية بمختلف مجالاتها وتغطية الأخبار الفنية .
أصبح المال السياسي لاعبًا ثقيل الوزن في العملية السياسية، بل وأحيانًا يتفوق على البرامج والرؤى والكفاءات، وانتشار هذا النمط من شراء الأصوات العلني بصورة فجة عن ذي قبل أصبح حديث الشارع، وفضح الأمر أكثر وجود السوشيال ميديا، التي أصبحت كاشف لكل شيء يحدث بالمجتمع من صغيرة وكبيرة.
المال السياسي ليس مجرد إنفاق على الدعاية، في صورته الإيجابية، يعد الإنفاق المنظم جزءًا طبيعيًا من أي منافسة انتخابية: لافتات، مؤتمرات، محتوى توعوي، وتواصل مع الناخبين، لكن الأزمة تبدأ حين يتحول المال من أداة اتصال مشروع إلى وسيلة لشراء الولاءات، أو التأثير على إرادة الناخبين عبر ضغوط اقتصادية مباشرة، خصوصًا في ظل أزمة معيشية خانقة تجعل بعض الفئات أكثر هشاشة وقابلية للاستغلال.
أصبح يوم الانتخابات في بعض الدوائر، موسمًا تتضاعف فيه “التحركات” حول اللجان، حيث توزع مبالغ مالية، أو بطاقات شراء، أو سلع تموينية، أو وعود بوظائف وخدمات مقابل التصويت، الصمت حول هذه الممارسات لا ينفي وجودها؛ بل يعكس قدرتها على الاختباء خلف الشعارات، أو الاحتماء بعلاقات معقدة بين بعض المرشحين وشبكات مصالح محلية.
الخطير في المال السياسي أنه يفرغ العملية الانتخابية من معناها، فالنائب الذي يصل عبر شراء الأصوات لا يحمل تفويضًا حقيقيًا من الناس، ولا يشعر بالمسؤولية السياسية تجاههم بقدر شعوره بالالتزام تجاه داعميه ومموليه، وهنا يصبح البرلمان مساحة نفوذ لا مساحة تمثيل، وينتقل العبء إلى المواطن الذي يجد نفسه بلا صوت حقيقي أو ممثل يعبر عن أزماته.
كما يساهم المال السياسي في تهميش الأحزاب، ويعزز صعود “مرشحي الخدمات” أو “المرشحين من فئة رجال الأعمال والأغنياء”، على حساب أصحاب الرؤية أو الخبرة، وحين تصبح المنافسة محصورة بين من يدفع أكثر، يفقد المشهد السياسي تنوعه الطبيعي وتضعف قدرته على إنتاج قيادات حقيقية.
وللتغلب على تلك الظاهرة يمكن محاصرة المال السياسي بثلاث أدوات رئيسية:
أولًا: تطبيق صارم وشفاف لقوانين الإنفاق الانتخابي، مع نشر تقارير مالية واضحة لكل حملة.
ثانيًا: مراقبة مدنية وإعلامية أقوى؛ فالضوء الكاشف يقلل من قدرة أي طرف على اللعب في الظلام.
ثالثًا: رفع وعي الناخب بأن صوته ليس سلعة، وأن إغراءات اليوم قد تُفقده غدًا خدماته وحقوقه وفرص حياته.
ختامًا الانتخابات ليست حدثًا عابرًا، بل اختبارًا لمدى إيمان المجتمع بأن السياسة مسؤولية وليست تجارة. وحين ينتصر البرنامج على الرشوة، والفكرة على المال، يكون المجتمع قد خطا خطوة حقيقية نحو تمثيل يستحقه.
