المنسي
كان هذا الصباح يشبة صباحات كثيرة سبقتةمنذ الصباح الاول الذى جاءفية المنسي مزارعا فى ارض “الحاجة”.. فشروق شمس كل صباح منهم هو اشارة البدء لسباق من الشقاء قد ينتهى قبل اذان الظهر وقد يمتد إلى ما بعد الغروب.
وهاهو صوت الحاجة
-منسي…..يا منسي قوم الشمس حصلت الارض كلها… الحميرالثلاثة جاهز ة اتنين زمالة والثالث بتاعنا.
وتصل كلماتها الية كشعلة فى ماسورة مدفع فينطلق هو كالبارود مندفعا داخل الافرول المموةالذى تمزق وضاعت الوانة فى زحام بقع العرق والتراب
وامسك يد الفأس الثقيلة باصقا فى يدية ورافعا اياها فى جبروت حتى قاربت سقف الزريبة وهابطا بسىلاحها الحديدى المسنون فوق طبقات الروث خارطا اياها قطعا ضخمة كالجلاميد ويتكرر ارتفاع الفاس وهبوطها ويتعالى فحيحة ويتلاحق
مع حركة الفاس وهو يردد كلمة “ياحى……. حى” غير مهتما بالعرق المتصبب. فى رهان لنفسة بانة لن يتوقف حتى ينتهى من خرط ارض الزريبة كلها دفعة واحدة.بعدهايبدا فى حمل تلك الجلاميد الضخمة بيدية رافعااياها بركبتة لتستقر متلاصقة
فى الغبيط المفتوح على ظهر اول الحمر الثلاثة حتى يئن بحملةثم الثانى فالثالث. بعدها تنطلق الحمر الثلاث فى سباقها إلى الغيط وخلفها المنسي بعصاة الجريد التى يلهب بها ظهورها اذا ماتكاسلت او مالت احمالها.
وهكذا يقضى المنسي وحمره الثلاثة ساعات الصباح الاولى وساعات الضحى فى قطع الطريق من البيت الى الغيط محملة بجلاميد الروث ومن الغيط الى البيت محملة بالرتش. ومع اخر دور كان اذن الظهر يدوى من مأذنة المسجد القبلى معلنا فوز المنسي برهانة مع الحاجةفقد كان يوم المنسي بل ما مضى من سنوات عمرة كلةهو مجموعة من الرهانات الرابحة دائمابفضل عنفوانة وتلك العافية الموفورة فى عضلاتة والان على الحاجة ان تفك المنديل المعصوب على الاوراق المالية الصحيحة وليست الفكة المبعثرة فى السيالة. لتعطى للمنسي جنيهاتة العشرة ورقة واحدة كما طلب
فيخفيهافرحافى جيب الافرول حتى ينتهى من استحمامة ثم يرتدى الصديرى وهو يصفةمغنيا ومصفقا بكفية وهو يردد
-“صديرى بوش ستان وصف زراير من قدام…”
“صديرى بوش ستان وصف زراير من قدام..” .
ويتناول غداء الحاجة الذى ينم عن كرم بالغ ورضا تام عن عمل المنسي اليوم ثم يرتدى الجلباب الابيض الشفاف وحول رقبتة لاثتة ناصعة البياض
ويخرج مسرعا حتى يلحق قطار الساعةالثانية متجهاالى مدينة “منوف” حيث مقهى” شرف” وحيث جلستةفى وسط اناس لا يعرفونة هى المتعة الحقيقة والوحيدة فى حياة المنسي حيث تلمع عينية زهوا عندما يستقبلة “حسن” القهوجى
-اهلا اهلا بعمدة العمد….. ومعاك احلى كوبية شاى لعمدة المركز كلة.
حينها يتحسس المنسي ورقة الجنيهات العشرةفى جيبة والتى حرصا منةان تظل كماهى تسلل من محصل القطار حتى يخرجها فى المقهى امام الزبائن.
وبعد فترة يقترب حسن منة بمنشفتة الصفراء التى تتدلى من خاصرتة ليمسح بها
بها منضدةالمنسي قائلا
– اجيب القهوة دلوقتى ياعمدة
وينتشي المنسي مع مايقولة حسن فيخرج علبة سجائرة ويمنح سيجارة لحسن الذى ينحنى ليشعل للمنسي سيجارتة .
تلك الانحناة التى لم تنسي المنسي ان يجيب سؤال حسن. لكنة انشغل فى تدوير طاقيتة فوق راسة عندما مرت” ابلة “(كما يطلق عليها اذا كانت ترتدى جيب قصيرة) فقال المنسي متفحصا خطواتها.
– حريم المدينة
طالعة من الباترينة
فرد حسن فى صوت سمعتة السيدة
– سكر زيادة
وعندما توقفت ناظرة اليهما استدرك حسن
-ياعمدة القهوة عايزها مظبوطةولا سكر زيادة؟
وضحكا معا بصوت عالا وطالت جلسة المنسي ساعات وساعات مستمتعا باطراء حسن وملاحقة خطوات النساء التى تمر امامة حتى دوت صفارة قطار فنهض مسرعاحتى يلحقة وبالكاد امسكت قبضتية باخر باب فى اخر عربة فى اخر قطار .
وفى ظلام مابين العربات واثناء عبورة من عربة الى اخرى وفى عتمةمابينهما سقط جسد المنسي.تشبثت ذراعاة القويتان بارض القطار وبينما يتراجح جسدةلجزءبسيط من الثانية راى فى عتمةمابين عجلات القطار نفسة يجرى فى نفق ينتهى بنور انطفأ فجاة عندما سقط جسدة لتنفجر فى فخذية فوهتى بركان من الم ودماء حينها توقفت كل الاصوات من حوله.وكآن الكون كلة مات…………………..
…………………… ………..
تصلة اصوات الممرضات فى ظلام غيبوبتة-
-لسة…. ياقلبى….. مافقيش ربنا يلطف بة ويصبرة
– دول رجلية الاثنين ياعينى…
-فين مراتة ولا عيالة
-ملوش حد……. بس فى ناس كثيرة من بلدة بيتجى تزورة وتسال علية.
حاول ان يحرك ساقية فلم يجدهما…وبكى المنسي لاول مرةفى حياتةبكى بنصف جسدة الحى نصف جسدةالمدفون تحت التراب
تمر ايام المنسى فى سريرة بالمشفى ثقيلة كالجبال لم ينقطع عن البكاء المكتوم بلا صوت حتى حملة اهالى القرية من فراش المستشفى الى فراش صغير فى حجرة صغيرة.
رفض المنسي ان يقبع فيهاسنوات عمرة رهن العجز رفض سجنةفىها ورفض حتى الكرسي المتحرك بل وحطمة وانطلق سيرا على يدية بعد ان حول كفية الى قديمين يضرب بهما الارض ويرفع مابقى من جسدة لينتقل خطوة ويتوقف بعدها ويللم جلبابة ويكومة تحتة ويلتقط الحصى فى مسافة خطوتة القادمة ويقذف بة بعيدا عن مسارسيرة المرسوم خلفة. تشققت كفاة وتضخمتا حتى تحولتا الى قدمين وهو يجول فى شوارع القرية متخذا من نواصيها محطات يجلس عليها ناثرا حولة المجلات القديمة واقلام من كل الالوان والانواع يهب بعضامنها لاى طفل يمر علية ويلقى علية السلام بعد ان يشاكسة المنسي متسالا
-انت فى سنة كام؟
وعلى حسب الصف الدراسي يكون لون ونوع القلم الممنوح.والفت القرية كلها جمل المنسي التى لم تكون تخرج عن
-واد ياابن ابوى الحاج روح هات شو ية مياة ساقعة…..
-انتى يابت امك طيبة روح هات صحن طبيخ ورغفين عيش.
واذا تصادف سماع طلبة من احدى النساءالاخريات ودخلت الى بيتها محضرة ماطلبة يرفضة فهو طلب من بنت الست الطيبة فلانة ولم اطلب منكى
-يااستاذ …..هات نص جنية…
-انا طلبت نص جنية بس.
وظل المنسي ونيسا للسائرين فى الليل.خاصة عندما ينطلق سؤال للعابر فجاة
– هى الساعة كام؟
مضت السنون على المنسي داعيا نفسة فى ليالى حناء ابنائهم معزيا فى امواتهم.
إلى أن قرر ذات يوم ان يؤذن للصلاة فدخل متجها الى مكبر الصوت فطردوة محمولا
خارج باب المسجد وهو يقسم لهم
-واللة…هاذن واطلع على طول. فى تلك الليلة بكى المنسي لثانى مرة فى حياتة
وظل يبكى حتى نام متكوما جانب حائط المسجد.
وفى الصباح وجدوة ميتا
فادخلوة الى المسجد

الخبر الثقافي موقع يهتم بكافة النواحي الثقاقية بمختلف مجالاتها وتغطية الأخبار الفنية .