أخبار عاجلة

المخرج نبيل كومار يكتب: مهرجان المسرح القومي إشعاعٌ يعيد أمجاد الفن ويُضيء ربوع مصر

ها هو مهرجان المسرح القومي يُطلُّ هذا العام اطلالة بهيَّة، كالشَّمس التي تُنير الآفاق، ليُعيد إلى الأذهان أمجادًا طالَ انتظارُها، ويُؤكِّد أنَّ المسرحَ المصريَّ ما زالَ نبضًا حيًّا ينبض بالعطاء والإبداع. لقد غمرت عروضُه المتميِّزة ربوعَ الوطن بفيضٍ من الجمال والفكر، لتحكيَ قصَّةَ نهضةٍ فنيَّةٍ تليقُ بإرثِ هذه الأرض العريقة.

أمسية من ذهب: “سينما 30

وكانت ليلةُ الأمس محطَّةً فنيَّةً خالدةً مع العرض الباهر (سينما 30 ) بمسرح السامر ، تحت قيادة المخرج الموهوب محمود جمال. لقد نسجَ جمالُ حكايةً السينما منذ نشأتها الأولى . وتألَّقَ نجومُ العرض طارق مجدي الذي أدهشَ بحضوره القويِّ وأدائه المُعَبِّر، ومروان أحمد الذي أضفى ببراعتهِ عمقًا على الشخصيات، وساندرا حلمي. كانت “سينما 30” رحلةً استثنائيةً عبر الزمنِ والفن، تخلَّلَها غناءٌ شجيٌّ واستعراضاتٌ مبهرة، لتقدِّمَ للجمهورِ وجبةً فنيَّةً دَسِمَةً تليقُ باصطفافِهم الحاشدِ وتَوقِهم للجمال.

ليلة التميُّز: “الخطة المثالية”

أمَّا مساء اليوم، فكان للشبابِ كلمتهم المُبدعةُ عبر عرض “الخطة المثالية” مسرحيةٌ صُنْعَها المؤلفُ محمد السوري، ووحَّدَ رؤاها المخرجُ الواعدُ محمد ناصر، ليرسمَا معًا لوحةً مسرحيةً نابضةً بالحياةِ والذكاء. وبرزَ من بين نجومِها الشبابِ الموهوبين، يوسف حسام، الذي قدَّمَ أداءً يُحْسَبُ له في سجلِّ التميُّز المسرحي؛ فدورُه لم يكن مجرَّدَ شخصيةٍ، بل تحوَّلَ على يديهِ إلى نسيجٍ حيٍّ من المشاعرِ والتفاصيل، أتقنَهُ ببراعةٍ قلَّ نظيرُها، مُثْبِتًا موهبةً أصيلةً تَعِدُ بمستقبلٍ باهر. ولم يقلَّ شأْنًا زميلُهُ عبد الرحمن فرحات؛ الذي أضافَ بجديَّتِهِ وحرفيَّتِهِ لمسةً خاصَّةً إلى العمل. وقدَّمَ فريقُ الشبابِ بأكملهِ أداءً منسجمًا وقويًّا، مزجَ بينَ الحوارِ الذكيِّ والغناءِ الطربيِّ والاستعراضِ الحيويِّ، في بوتقةٍ فنيَّةٍ شهيَّةٍ أشبعتْ نَهَمَ المُتفرِّجينَ للفنِّ الأصيلِ والهادف.

تحيةٌ للإبداع والرعاية

هذه الأعمالُ الرائعةُ التي تزينُ فعالياتُ المهرجانِ ليستْ إلا شاهدًا حيًّا على عودةِ الروحِ الحقيقيَّةِ للمسرحِ القوميِّ، روحِ الابتكارِ والجودةِ والجماهيريَّةِ معًا. فتحيَّةٌ صادقةٌ ترفعُها الأقلامُ والقلوبُ معًا لشبابِ “الخطة المثالية”، ولجميعِ الفنانينَ والمبدعينَ الذين يقدِّمونَ أرواحَهم على الخشبةِ ليُبهِروا ويُفكِّروا. وتحيَّةٌ خاصَّةٌ تليقُ بالجهودِ الحثيثةِ والرؤيةِ الثاقبةِ لرئيسِ المهرجانِ ووزيرِ الثقافةِ، اللذين يُشْهِدانِ بعينِ الرِّعايةِ هذا الصَّرْحَ الفنيَّ العظيم، ويُقدِّمانِ الدعمَ اللاَّزِمَ لتحقيقِ هذا التقدُّمِ الملموسِ والانتعاشِ الواضحِ في حقلِ الفنونِ المسرحيَّةِ الرَّفيعة.

لقد نجحَ مهرجانُ المسرحِ القوميِّ هذا العامَ في أن يكونَ منارةً ثقافيَّةً حقيقيةً، تُذكِّرُ بالماضي العَتِيدِ، وتَبْني بِعَزْمٍ حاضرًا مشرِقًا، وتنظُرُ بثقةٍ إلى مستقبلٍ يُبشِّرُ بعُودةِ المسرحِ المصريِّ إلى مكانتِه الرياديَّةِ التي تليقُ بتاريخِ هذه الأمَّةِ وحضارَتِها.