شنگال (سنجار) بقراها و توابعها ، هي تلك المدينة التي اکتسحها تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش) أمام أعين البشرية جمعاء، فتشرد مئات الآلاف من الکرد الإيزيديين و تحولوا بین لیلة و ضحاها الی تائهين بین الودیان و السهول . قُتل الآلاف منهم وأُخذ آلاف النساء كسبايا إلى أسواق النخاسة لتنظيم الدولة الإسلامية. مدينة بثقافة ودين أصيل كردستاني، عمرها آلاف السنين، في غفلة من الزمن ونتيجة لخيانة بعض العشائر البدوية في المنطقة، وقعت تحت سيطرة مئات المسلحين من داعش ، اۆلائک الوحوش الدوليين من کافة الجنسیات، فتم نهب المدینة وتدميرها.
في ذلك اليوم الأسود لم یقع الإيزيديون وحدهم ضحايا للتطرف والقسوة التي لا مثیل لها ، بل كرامة البشرية جمعاء وجوهر العيش المشترك وحب الحياة وحتى الإسلام المعتدل والتوحيد بذاته ، کلها تعرضت لصدمة شدیدة مؤذیة ومؤلمة جدا.
في ذلك اليوم الذي سقطت فيه شنگال وقبلها مدينة الموصل ، تحت اقدام داعش الدموية ، انهارت مصداقیة الدولة العراقية وأصبحت في خبر كان . في غضون ساعات قليلة، بينما كان العالم الديمقراطي والعربي والإسلامي في نوم عميق من الغفلة، أصبح جبل شنگال ملجأ لعشرات الآلاف من النساء والأطفال والمسنين والشباب العاجزين الهاربين من براثن إرهابيي داعش، وأصبحت مدنهم وقراهم میادین لمئات من جرائم التطهير الديني والعرقي.
اليوم، عندما نحيي الذكرى الحادية عشرة لتلک الجریـمة البشعة ، نكرر مراراً وتكراراً تلك الأسئلة التي لم تهز ضمیر الإنسانية بعد: (بأي ذنب قُتلت)؟ بأي جريرة تم قتل آلاف البشر الأبرياء الراضين بحياة بسيطة، بهذه الوحشية؟ من يعوض حياة الکرد الإيزيديين وعمرهم الضائع ؟ 11 عاماً من المرض والإحباط وألآم الانتظار ومعاناة التشرد لعشرات الآلاف من الکرد الإيزيديين في عنق أي دولة وأي راعي للإرهاب الدولي والإقليمي؟ من يعيد الأمهات المختطفات والفتيات المباعات في أسواق النخاسة والطفولة المشوهة تحت رايات داعش السوداء ؟
تلك العقلية والفكر العنصري و الغلو الديني الذي أوصلنا إلى هذه الكارثة لا يزال حياً ويتربص بنا ويترقب فرصة تحدث فيها شقوق أو ثغرات بيننا لیعاود الهجوم علی النساء والحياة والحرية بوحشية أكثر من السابق. منذ سنوات بعد تحرير شنگال وهزيمة دولة (الرايات السوداء)، بدلاً من الاتفاق والحماية وإعادة إعمار المدينة، ظهرت صراعات لا أخلاقیة و بلا طعم بين القوى الإقليمية والمحلية حول الاستیلاء علی السلطة في تلک الخرابة . فتركوا مصير شنگال بید المجهول واستمرت حالات التشرد والتشتت لآلاف العائلات الكردية الإيزيدية، كما لو أن الألم والمعاناة لـ11 عاماً لم تكن كافية، فجاء ألم التهميش والصراع علی النفوذ إضافياً.
شنگال لا تحتاج إلى مؤتمرات ومنتديات وندوات في فنادق ذات خمس نجوم ! ولا تحتاج إلى بيانات رنانة و ادانات سنوية. شنگال والإيزيديون يحتاجون إلى مشروع وطني كردي – دولي، يعيد إليهم النساء والحياة والحرية والعمران ! . يحتاجون إلى العدالة التي تعوض نهبهم مرتين: مرة بالسيف والراية السوداء، ومرة بالتهميش وإهمال صرخاتهم وآلامهم!
مضت إحدى عشرة سنة، لكن جراح جسد شنگال و الکرد الإيزيديين لا تزال تنزف دما ! (شنگال) ألم عميق في قلب كل كردي فهي كرامتنا جميعا، معيار لأخلاقنا، و لب إنسانيتنا.
الخلود للشهداء، الحرية للمختطفات، النهوض و الأمان لشنگال.
