في مثل هذا اليوم، 23 يوليو 1952 انطلقت شرارة التغيير في مصر بقيادة مجموعة من الضباط الأحرار، لتكون بداية تحول جذري في تاريخ الوطن، ليس فقط على المستوى المحلي، بل أيضًا على مستوى العالم العربي والعالم الثالث ككل.
لقد كانت ثورة يوليو أكثر من مجرد حركة عسكرية؛ كانت مشروعًا وطنيًا شاملًا أعاد تشكيل هوية مصر، وحقق إنجازات ملموسة في مختلف المجالات، كما أصبحت نموذجًا يُحتذى به في دعم حركات التحرر الوطني حول العالم.
ومنذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة، وضعت قيادتها نصب عينيها هدفًا رئيسيًا هو تحقيق العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني وكانت أبرز إنجازاتها: الإصلاح الزراعي وتوزيع الأرض على الفلاحين، حيث أصدرت الثورة قانون الإصلاح الزراعي الذي حدد الملكية الزراعية، ووزعت آلاف الأفدنة على صغار الفلاحين، مما أنهى سيطرة الإقطاع وحقق قدرًا أكبر من العدالة.
كذلك بناء الاقتصاد الوطني وتأميم قناة السويس، ففي خطوة جريئة، أممت الثورة قناة السويس عام 1956، لتصبح موردًا رئيسيًا للدخل القومي، ورمزًا لاستعادة الكرامة المصرية بعد سنوات من الاستغلال الأجنبي.
وفي التصنيع وتنمية البنية التحتية، شهدت مصر نهضة صناعية غير مسبوقة، بإنشاء مصانع الحديد والصلب في حلوان، وتطوير الطاقة الكهرومائية من خلال السد العالي، الذي حوّل مصر إلى دولة ذات اقتصاد منتج.
وفي مجانية التعليم والرعاية الصحية، أتاحت الثورة التعليم المجاني للجميع، ووسعت من فرص التعليم العالي، كما أنشأت نظامًا صحيًا مجانيًا يضمن الرعاية لكل مواطن.
و سعت لتعزيز الهوية العربية والدور الإقليمي، فتبنت الثورة قضايا الأمة العربية، وكانت داعمًا رئيسيًا للقضية الفلسطينية، كما ساهمت في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية.
ثورة يوليو ومساندة حركات التحرر في العالم:
لم تكن ثورة يوليو مشروعًا مصريًا فحسب، بل كانت إلهامًا لشعوب العالم التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار. لقد آمنت قيادة الثورة بأن تحرر مصر مرتبط بتحرر كل الشعوب المضطهدة، فقدمت الدعم السياسي والعسكري للعديد من حركات التحرر، ومن أبرز الأمثلة مساندة الثورة الكردية، ففي ستينيات القرن الماضي، وقفت مصر بقيادة جمال عبد الناصر إلى جانب القضية الكردية في العراق، حيث قدمت الدعم السياسي والإعلامي للأكراد في نضالهم من أجل حقوقهم. كما استضافت مصر زعيم الثورة الكردية الملا مصطفى البارزاني في أكتوبر عام ١٩٥٨ وأبرزت قضية شعبه في الإعلام المصري والعربي، مما وضع القضية الكردية على الخريطة الدولية.
لم يكن دعم مصر للكرد حالة منفردة، بل كان جزءًا من سياسة ثابتة لدعم كل حركات التحرر، من الجزائر إلى فيتنام، ومن الكونغو إلى اليمن. لقد كانت ثورة يوليو صوت المظلومين في المحافل الدولية، ورسخت مبدأ أن الحرية حق لكل الشعوب.
ورغم مرور عشرات السنين، تظل ثورة 23 يوليو علامة مضيئة في تاريخ مصر الحديث. لقد غيرت وجه الحياة للمصريين، وأعادت للأمة كرامتها، وأثبتت أن إرادة الشعوب قادرة على صنع المعجزات.
كما أن دورها في دعم حركات التحرر يذكرنا بأن النضال من أجل الحرية هو نضال إنساني مشترك.